للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فواجب عليه أن يحذر الصبي ساحل البحر والنهر فإن كان لا ينزجر الصبي بمجرد الزجر مهما رأى والده يحوم حول الساحل فواجب عليه أن يبعد من الساحل مع الصبي ولا يقرب منه بين يديه فكذلك الأمة في حجر الأنبياء عليهم السلام كالصبيان الأغبياء ولذلك قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَنَا لكم مثل الوالد لولده وقال صلى الله عليه وسلم إنما تتهافتون على النار تهافت الفراش وأنا آخذ بحجزكم وحظهم الأوفر في حفظ أولادهم عن المهالك فإنهم لم يبعثوا إلا لذلك وليس لهم في المال حظ إلا بقدر القوت فلا جرم اقتصروا على قدر القوت وما فضل فلم يمسكون بل أنفقوه فإن الإنفاق فيه الترياق وفي الإمساك السم ولو فتح للناس باب كسب المال ورغبوا فيه لمالوا إلى سم الإمساك ورغبوا عن ترياق الإنفاق فلذلك قبحت الأموال والمعنى به تقبيح إمساكها والحرص عليها للاستكثار منها والتوسع في نعيمها بما يوجب الركون إلى الدنيا ولذتها فأما أخذها بقدر الكفاية وصرف الفاضل إلى الخيرات فليس بمذموم وحق كل مسافر أن لا يحمل إلا بقدر زاده في السفر إذا صمم العزم على أن يختص بما يحمله فأما إذا سمحت نفسه بإطعام الطعام وتوسيع الزاد على الرفقاء فلا بأس بالاستكثار وقوله عليه الصلاة والسلام ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب معناه لأنفسكم خاصة ولا فقد كان فيمن يروي هذا الحديث ويعمل به من يأخذ مائة ألف درهم في موضع واحد ويفرقها في موضعه وإلا يمسك منها حبة ولما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأغنياء يدخلون الجنة بشدة استأذنه عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في أن يخرج عن جميع ما يملكه فأذن له فنزل جبريل عليه السلام وقال مره بأن يطعم المسكين ويكسو العاري ويقري الضيف الحديث فإذن النعم الدنيوية مشوبة قد امتزج دواؤها بدائها ومرجوها بمخوفها ونفعها بضرها فمن وثق ببصيرته وكمال معرفته فله أن يقرب منها متقياً داءها ومستخرجاً دواءها ومن لا يثق بها فالبعد البعد والفرار الفرار عن مظان الأخطار فلا تعدل بالسلامة شيئاً في حق هؤلاء وهم الخلق كلهم إلا من عصمه الله تعالى وهداه لطريقه

فإن قلت فما معنى النعم التوفيقية الراجحة إلى الهداية والرشد والتأييد والتسديد فاعلم أن التوفيق لا يستغني عنه أحد وهو عبارة عن التأليف والتلفيق بين إرادة العبد وبين قضاء الله وقدره وهذا يشمل الخير والشر وما هو سعادة وما هو شقاوة ولكن جرت العادة بتخصيص اسم التوفيق بما يوافق السعادة من جملة قضاء الله تعالى وقدره كما أن الإلحاد عبارة عن الميل فخصص بمن مال إلى الباطل عن الحق وكذا الارتداد ولا خفاء بالحاجة إلى التوفيق ولذلك قيل

إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأكثر ما يجني عليه اجتهاده

فأما الهداية فلا سبيل لأحد إلى طلب السعادة إلا بها لأن داعية الإنسان قد تكون مائلة إلى ما فيه صلاح آخرته

<<  <  ج: ص:  >  >>