منها بقدر ما رزق فلنقتصر على ما ذكرناه ولنضف إلى هذا ما فصلناه في كتاب الشكر فإنا نظرنا فى ذلك الكتاب فى فعل الله تعالى من حيث هو إحسان إلينا وإنعام علينا
وفى هذا الكتاب نظرنا فيه من حيث أنه فعل الله فقط وكل ما نظرنا فيه فإن الطبيعي ينظر فيه ويكون نظره سبب ضلاله وشقاوته والموفق ينظر فيه فيكون سبب هدايته وسعادته
وما من ذرة في السماء والأرض إلا والله سبحانه وتعالى يضل بها من يشاء ويهدي بها من يشاء فمن نظر في هذه الأمور من حيث إنها فعل الله تعالى وصنعه استفاد منه المعرفة بجلال الله تعالى وعظمته واهتدى به ومن نظر فيها قاصرا للنظر عليها من حيث تأثير بعضها فى بعض لا من حيث ارتباطها بمسبب الأسباب فقد شقى وارتدى فنعوذ بالله من الضلال ونسأله أن يجنبنا مزلة أقدام الجهال بمنه وكرمه وفضله وجوده ورحمته
تم الكتاب التاسع من ربع المنجيات والحمد لله وحده وصلواته على محمد وآله وسلامه يتلوه كتاب ذكر الموت وما بعده وبه كمل جميع الديوان بحمد الله تعالى وكرمه
كتاب ذكر الموت وما بعده وهو الكتاب العاشر من ربع المنجيات وبه اختتام
كتاب إحياء علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى قصم بالموت رقاب الجبابرة وكسر به ظهور الأكاسرة وقصر به آمال القياصرة الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة حتى جاءهم الوعد الحق فأرداهم فى الحافرة فنقلوا من القصور إلى القبور ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود ومن ملاعبة الجوارى والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ فى التراب ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل فانظر هل وجدوا من الموت حصنا وعزا واتخذوا من دونه حجابا وحرزا وانظر هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا فسبحان من انفرد بالقهر والاستيلاء واستأثر باستحقاق البقاء وأذل أصناف الخلق بما كتب عليهم من الفناء ثم جعل الموت مخلصا للأتقياء وموعدا فى حقهم للقاء وجعل القبر سجنا للأشقياء وحبسا ضيقا عليهم إلى يوم الفصل والقضاء فله الإنعام بالنعم المتظاهرة وله الانتقام بالنقم القاهرة وله الشكر فى السموات والأرض وله الحمد فى الأولى والآخرة والصلاة على محمد ذي المعجزات الظاهرة والآيات الباهرة وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد فجدير بمن الموت مصرعه والتراب مضجعه والدود أنيسه ومنكر ونكير جليسه والقبر مقره وبطن الأرض مستقره والقيامة موعده والجنة أو النار مورده أن لا يكون له فكر إلا فى الموت ولا ذكر إلا له ولا استعداد إلا لأجله ولا تدبير إلا فيه ولا تطلع إلا إليه ولا تعريج إلا عليه ولا اهتمام إلا به ولا حول إلا حوله ولا انتظار وتربص إلا له وحقيق بأن يعد نفسه من الموتى ويراها فى أصحاب القبور فإن كل ما هو آت قريب والبعيد ما ليس بآت وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ