للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما بعد الموت (١) ولن يتيسر الاستعداد للشيء إلا عند تجدد ذكره على القلب ولا يتجدد ذكره إلا عند التذكر بالإصغاء إلى المذكرات له والنظر في المنبهات عليه

ونحن نذكر من أمر الموت ومقدماته ولواحقه وأحوال الآخرة والقيامة والجنة والنار ما لا بد للعبد من تذكاره على التكرار وملازمته بالافتكار والاستبصار ليكون ذلك مستحثا على الاستعداد فقد قرب لما بعد الموت الرحيل فما بقي من العمر إلا القليل والخلق عنه غافلون اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ونحن نذكر ما يتعلق بالموت في شطرين الشطر الأول في مقدماته وتوابعه إلى نفخة الصور وفيه ثمانية أبواب

الباب الأول في فضل ذكر الموت والترغيب فيه

الباب الثاني في ذكر طول الأمل وقصره

الباب الثالث في سكرات الموت وشدته وما يستحب من الأحوال عند الموت

الباب الرابع في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده

الباب الخامس في كلام المحتضرين من الخلفاء والأمراء والصالحين

الباب السادس في أقاويل العارفين على الجنائز والمقابر وحكم زيارة القبور

الباب السابع في حقيقة الموت وما يلقاه الميت في القبر إلى نفخة الصور

الباب الثامن فيما عرف من أحوال الموتى بالمكاشفة في المنام

الباب الأول في ذكر الموت والترغيب في الإكثار من ذكره

أعلم أَنَّ الْمُنْهَمِكَ فِي الدُّنْيَا الْمُكِبَّ عَلَى غُرُورِهَا الْمُحِبَّ لِشَهَوَاتِهَا يَغْفُلُ قَلْبُهُ لَا مَحَالَةَ عَنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ فَلَا يَذْكُرُهُ وَإِذَا ذُكِّرَ بِهِ كَرِهَهُ وَنَفَرَ مِنْهُ أُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ثُمَّ النَّاسُ إِمَّا مُنْهَمِكٌ وَإِمَّا تَائِبٌ مُبْتَدِئٌ أو عَارِفٌ مُنْتَهٍ أَمَّا الْمُنْهَمِكُ فَلَا يَذْكُرُ الْمَوْتَ وَإِنْ ذَكَرَهُ فَيَذْكُرُهُ لِلتَّأَسُّفِ عَلَى دُنْيَاهُ وَيَشْتَغِلُ بِمَذِمَّتِهِ وَهَذَا يَزِيدُهُ ذِكْرُ الْمَوْتِ مِنَ اللَّهِ بُعْدًا

وَأَمَّا التَّائِبُ فَإِنَّهُ يُكْثِرُ مَنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ لِيَنْبَعِثَ بِهِ مِنْ قَلْبِهِ الْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ فيفي بتمام التوبة وربما يكره الموت خيفة من أن يختطفه قبل تمام التوبة وقبل إصلاح الزاد وهو معذور في كراهة الموت ولا يدخل هذا تحت قوله صلى الله عليه وسلم من كره لقاء الله كره الله لقاءه (٢) فإن هذا ليس يكره الموت ولقاء الله وإنما يخاف فوت لقاء الله لقصوره وتقصيره وهو كالذي يتأخر عن لقاء الحبيب مشتغلا بالاستعداد للقائه على وجه يرضاه فلا يعد كارها للقائه

وعلامة هذا أن يكون دائم الاستعداد له لا شغل له سواه وإلا التحق بالمنهمك في الدنيا وَأَمَّا الْعَارِفُ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ الْمَوْتَ دَائِمًا لِأَنَّهُ موعد لقائه لِحَبِيبِهِ وَالْمُحِبُّ لَا يَنْسَى قَطُّ مَوْعِدَ لِقَاءِ الحبيب وهذا في غالب الأمر يستبطئ مجيء الموت ويحب مجيئه ليتخلص من دار العاصين وينتقل إلى جوار رب العالمين

كما روي عن حذيفة أنه لما حضرته الوفاة قال حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم اللهم إن كنت تعلم


(١) حديث الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الموت تقدم غير مرة
(٢) حديث من كره لقاء الله كره الله لقاءه متفق عليه من حديث أبي هريرة

<<  <  ج: ص:  >  >>