للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الفقر أحب إلي من الغنى والسقم أحب إلى من الصحة والموت احب إلى من العيش فسهل على الموت حتى ألقاك فإذن التائب معذور في كراهة الموت وهذا معذور في حب الموت وتمنيه وأعلى منهما رتبة من فوض أمره إلى الله تعالى فصار لا يختار لنفسه موتاً ولا حياة بل يكون أحب الأشياء إليه احبها إلى مولاه

فهذا قد انتهى بفرط الحب والولاء إلى مقام التسليم والرضا وهو الغاية والمنتهى

وعلى كل حال ففي ذكر الموت ثواب وفضل فإن المنهمك أيضا يستفيد بذكر الموت التجافي عن الدنيا إذ ينغص عليه نعيمه ويكدر عليه صفو لذته

وكل ما يكدر على الإنسان اللذات والشهوات فهو من أسباب النجاة

بيان فضل ذكر الموت كيفما كان

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثروا من ذكر هاذم اللذات (١) ومعناه نغصوا بذكره اللذات حتى ينقطع ركونهم إليها فتقبلوا على اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو تعلم البهائم من الموت ما يعلم ابن آدم ما أكلتم منها سمينا (٢) وقالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله هل يحشر مع الشهداء أحد قال نعم من يذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرة (٣) وإنما سبب هذه الفضيلة كلها أن ذكر الموت يوجب التجافي عن دار الغرور ويتقاضى الاستعداد للآخرة والغفلة عن الموت تدعو إلى الانهماك في شهوات الدنيا

وقال صلى الله عليه وسلم تحفة المؤمن الموت (٤) وإنما قال هذا لأن الدنيا سجن المؤمن إذ لا يزال فيها في عناء من مقاساة نفسه ورياضة شهواته ومدافعه شيطانه فالموت إطلاق له من هذا العذاب والإطلاق تحفة في حقه وقال صلى الله عليه وسلم الموت كفارة لكل مسلم (٥) واراد بهذا المسلم حقا المؤمن صدقا الذي يسلم المسلمون من لسانه ويده ويتحقق فيه أخلاق المؤمنين ولم يتدنس من المعاصي إلا باللمم والصغائر فالموت يطهره منها ويكفرها بعد اجتنابه الكبائر وإقامته الفرائض قال عطاء الخراساني مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجلس قد استعلى فيه الضحك فقال شوبوا مجلسكم بذكر مكدر اللذات قالوا وما مكدر اللذات قال الموت (٦) وقال أنس رضي الله تعالى عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يُمَحِّصُ الذُّنُوبَ ويزهد في الدنيا (٧) وقال صلى الله عليه وسلم كفى بالموت مفرقا (٨) وقال عليه السلام كفى بالموت واعظا (٩) وخرج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المسجد فإذا قوم يتحدثون ويضحكون فقال اذكروا الموت أما والذي نفسي بيده لو تعلمون


(١) حديث أكثروا من ذكر هاذم اللذات أخرجه الترمذي وقال حسن والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة وقد تقدم
(٢) حديث لو تعلم البهائم من الموت ما يعلم ابن آدم ما أكلتم منها سمينا أخرجه البيهقي في الشعب من حديث أم حبيبة الجهنية وقد تقدم
(٣) حديث قالت عائشة هل يحشر مع الشهداء أحد قال نعم من ذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرة تقدم
(٤) حديث تحفة المؤمن الموت أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت والطبراني والحاكم من حديث عبد الله بن عمر مرسلا بسند حسن
(٥) حديث الموت كفارة لكل مسلم أخرجه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب والخطيب في التاريخ من حديث انس قال ابن العربي في سراج المريدين أنه حسن صحيح وضعفه ابن الجوزي وقد جمعت طرقه في جزء
(٦) حديث عطاء الخراساني مر النبي صلى الله عليه وسلم بمجلس قد استعلاه الضحك فقال شوبوا مجلسكم بذكر مكدر اللذات الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في الموت هكذا مرسلا ورويناه في أمالى الجلال من حديث أنس ولا يصح
(٧) حديث أنس أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يُمَحِّصُ الذُّنُوبَ ويزهد في الدنيا أخرجه ابن أبي الدنيا في الموت بإسناد ضعيف جدا
(٨) حديث كفى بالموت مفرقا أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده من حديث أنس وعراك بن مالك بسند ضعيف ورواه ابن أبي الدنيا في البر والصلة من رواية أبي عبد الرحمن الحبلى مرسلا
(٩) حديث كفى بالموت واعظا أخرجه الطبراني والبيهقي في الشعب من حديث عمار ابن ياسر بسند ضعيف وهو مشهور من قول الفضيل بن عياض رواه البيهقي في الزهد

<<  <  ج: ص:  >  >>