للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرا (١) وذكر عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل فأحسنوا الثناء عليه فقال كيف ذكر صاحبكم للموت قالوا ما كنا نكاد نسمعه يذكر الموت قال فإن صاحبكم ليس هنالك (٢) وقال ابن عمر رضي الله عنهما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة فقال رجل من الأنصار من أكيس الناس وأكرم الناس يا رسول الله فقال أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ وَأَشَدُّهُمُ اسْتِعْدَادًا لَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْأَكْيَاسُ ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَكَرَامَةِ الْآخِرَةِ (٣)

أما الآثار فقد قال الحسن رحمه الله تعالى فضح الموت الدنيا فلم يترك لذى لب فرحا

وقال الربيع بن خثيم

ما غائب ينتظره المؤمن خيرا له من الموت وكان يقول لا تشعروا بي أحدا وسلوني إلى ربي سلا

وكتب بعض الحكماء إلى رجل من إخوانه يا أخي أحذر الموت في هذه الدار قبل أن تصير إلى دار تتمنى فيها الموت فلا تجده

وكان ابن سيرين إذا ذكر عنده الموت مات كل عضو منه

وكان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء فيتذا كرون الموت والقيامة والآخرة ثم يبكون حتى كأن بين أيديهم جنازة

وقال إبراهيم التيمى شيئان قطعا عني لذة الدنيا ذكر الموت والوقوف بين يدي الله عز وجل

وقال كعب من عرف الموت هانت عليه مصائب الدنيا وهمومها

وقال مطرف رأيت فيما يرى النائم كأن قائلا يقول في وسط مسجد البصرة قطع ذكر الموت قلوب الخائفين فوالله ما تراهم إلا والهين

وقال أشعث كنا ندخل على الحسن فإنما هو النار وأمر الآخرة وذكر الموت

وقالت صفية رضي الله تعالى عنها أن امرأة اشتكت إلى عائشة رضي الله عنها قساوة قلبها فقالت اكثري ذكر الموت يرق قلبك ففعلت فرق قلبها فجاءت تشكر عائشة رضي الله عنها وكان عيسى عليه السلام إذا ذكر الموت عنده يقطر جلده دما

وكان داود عليه السلام إذا ذكر الموت والقيامة يبكي حتى تنخلع أوصاله فإذا ذكر الرحمة رجعت إليه نفسه

وقال الحسن ما رأيت عاقلا قط إلا أصبته من الموت حذرا وعليه حزينا

وقال عمر بن عبد العزيز لبعض العلماء عظني فقال لست أول خليفة تموت قال زدني قال ليس من آبائك أحد إلى آدم إلا ذاق الموت وقد جاءت نويتك فبكى عمر لذلك وكان الربيع بن خثيم قد حفر قبرا في داره فكان ينام فيه كل يوم مرات يستديم بذلك ذكر الموت وكان يقول لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة واحدة لفسد

وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير إِنَّ هَذَا الْمَوْتَ قَدْ نَغَّصَ عَلَى أَهْلِ النَّعِيمِ نَعِيمَهُمْ فَاطْلُبُوا نَعِيمًا لَا مَوْتَ فِيهِ وقال عمر بن عبد العزيز لعنبسة اكثر ذكر الموت فإن كنت واسع العيش ضيقه عليك وإن كنت ضيق العيش وسعه عليك وقال أبو سليمان الداراني قلت لأم هرون أتحبين الموت قالت لا قلت لم قالت لو عصيت آدميا ما اشتهيت لقاءه فكيف أحب لقاءه وقد عصيته

بيان الطريق في تحقيق ذكر الموت

اعلم أن الموت هائل وخطره عظيم وغفلة الناس عنه لقلة فكرهم فيه وذكرهم له ومن يذكره ليس يذكره بقلب فارغ بل بقلب مشغول بشهوة الدنيا فلا ينجع ذكر الموت في قلبه

فالطريق فيه أن يفرغ العبد قلبه عن كل


(١) حديث خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المسجد فإذا قوم يتحدثون ويضحكون فقال أذكروا الموت الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في الموت من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف
(٢) حديث ذكر عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل فأحسنوا الثناء عليه فقال كيف كان ذكر صاحبكم للموت الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في الموت من حديث أنس بسند ضعيف وابن المبارك في الزهد قال أخبرنا مالك بن مغول فذكره بلاغا بزيادة فيه
(٣) حديث ابن عمر أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة فقال رجل من الأنصار من أكيس الناس الحديث أخرجه ابن ماجه مختصرا وابن أبي الدنيا بكماله بإسناد جيد

<<  <  ج: ص:  >  >>