يَسْتَهْدِي ذَلِكَ مِنْ إِخْوَانِهِ وَيَقُولُ رَحِمَ اللَّهُ امرأً أهدى إلى أخيه عيوبه ولذلك قال عمر لسلمان وقد قدم عليه ما الذي بلغك عني مما تكره فاستعفى فألح عليه فقال بلغني أن لك حلتين تلبس إحداهما بالنهار والأخرى بالليل وبلغني أنك تجمع بين إدامين على مائدة واحدة فقال عمر رضي الله عنه أما هذان فقد كفيتهما فهل بلغك غيرهما فقال لا
وكتب حذيفة المرعشي إلى يوسف بن أسباط بلغني أنك بعت دينك بحبتين وقفت على صاحب لبن فقلت بكم هذا فقال بسدس فقلت له لا بثمن فقال هو لك وكان يعرفك
اكشف عن رأسك قناع الغافلين وانتبه عن رقدة الموتى واعلم أن من قرأ القرآن ولم يستغن وَآثَرَ الدُّنْيَا لَمْ آمَنْ أَنْ يَكُونَ بِآيَاتِ الله من المستهزئين وقد وصف الله تعالى الكاذبين ببعضهم لِلنَّاصِحِينَ إِذْ قَالَ {وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} وَهَذَا فِي عَيْبٍ هُوَ غَافِلٌ عَنْهُ فَأَمَّا ما علمت أنه يعلمه من نفسه فإنما هو مقهور عليه من طبعه فلا ينبغي أن يكشف فيه ستره إن كان يخفيه وإن كان يظهره فلا بد من التلطف في النصح بالتعريض مرة وبالتصريح أُخْرَى إِلَى حَدٍّ لَا يُؤَدِّي إِلَى الْإِيحَاشِ فَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّ النُّصْحَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيهِ وَأَنَّهُ مُضْطَرٌّ مِنْ طَبْعِهِ إِلَى الْإِصْرَارِ عَلَيْهِ فَالسُّكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ أَخِيكَ فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَقْصِيرِهِ فِي حَقِّكَ فَالْوَاجِبُ فِيهِ الِاحْتِمَالُ وَالْعَفْوُ وَالصَّفْحُ وَالتَّعَامِي عَنْهُ وَالتَّعَرُّضُ لِذَلِكَ لَيْسَ مِنَ النُّصْحِ فِي شَيْءٍ نَعَمْ إِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُؤَدِّي اسْتِمْرَارُهُ عَلَيْهِ إِلَى الْقَطِيعَةِ فَالْعِتَابُ فِي السِّرِّ خَيْرٌ مِنَ الْقَطِيعَةِ وَالتَّعْرِيضُ بِهِ خَيْرٌ مِنَ التَّصْرِيحِ وَالْمُكَاتَبَةُ خَيْرٌ مِنَ المشافهة والاحتمال خير من الكل إذ ينبغي أن يكون قصدك من أخيك إصلاح نفسك بمراعاتك إياه وقيامك بحقه واحتمالك تقصيره لا الاستعانة به والاسترفاق منه
قال أبو بكر الكتاني صحبني رجل وكان على قلبي ثقيلاً فوهبت له يوماً شيئاً على أن يزول ما في قلبي فلم يزل فأخذت بيده يوماً إلى البيت وقلت له ضع رجلك على خدي فأبى فقلت لا بد ففعل فزال ذلك من قلبي
وقال أبو علي الرباطي صحبت عبد الله الرازي وكان يدخل البادية فقال على أن تكون أنت الأمير أو أنا فقلت بل أنت فقال وعليك الطاعة فقلت نعم فأخذ مخلاة ووضع فيها الزاد وحملها على ظهره فإذا قلت له أعطني قال ألست قلت أنت الأمير فعليك الطاعة فأخذنا المطر ليلة فوقف على رأسي إلى الصباح وعليه كساء وأنا جالس يمنع عني المطر فكنت أقول مع نفسي ليتني مت ولم أقل أنت الأمير الحق الخامس العفو عن الزلات والهفوات
وهفوة الصديق لا تخلو إما أن تكون في دينه بارتكاب معصية أو في حقك بتقصيره في الأخوة
أما ما يكون في الدين من ارتكاب معصية والإصرار عليها فعليك التلطف في نصحه بما يقوم أوده ويجمع شمله ويعيد إلى الصلاح والورع حاله
فإن لم تقدر وبقي مصراً فقد اختلفت طرق الصحابة والتابعين في إدامة حق مودته أو مقاطعته
فذهب أبو ذر رضي الله عنه إلى الانقطاع وقال إذا انقلب أخوك عما كان عليه فأبغضه من حيث أحببته ورأى ذلك من مقتضى الحب في الله والبغض في الله
وأما أبو الدرداء وجماعة من الصحابة فذهبوا إلى خلافه فقال أبو الدرداء إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى
وقال إبراهيم النخعي لا تقطع أخاك ولا تهجره عند الذنب بذنبه فإنه يرتكبه اليوم ويتركه غداً
وقال أيضاً لا تحدثوا الناس بزلة العالم فإن العالم يزل الزلة ثم يتركها وفي الخبر اتقوا زلة العالم ولا تقطعوه وانتظروا فيئته (١)
وفي حديث عمر وقد سأل عن أخ كان آخاه فخرج إلى الشام فسأل عنه بعض من قدم عليه وقال
(١) حديث اتقوا زلة العالم ولا تقطعوه وانتظروا فيئته رواه البغوي في المعجم وابن عدي في الكامل من حديث عمرو بن عوف المزني وضعفاه