للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتخذوها قراراً وقيل لعيسى عليه السلام علمنا علما واحداً يحبنا الله عليه قال ابغضوا الدنيا يحبكم الله تعالى وقال أبو الدرداء قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولهانت عليكم الدنيا ولآثرتم الآخرة (١) ثم قال أبو الدرداء من قبل نفسه لو تعلمون ما أعلم لخرجتم إلى الصعدات تجأرون وتبكون على أنفسكم ولتركتم أموالكم لا حارس لها ولا راجع إليها إلا ما لابد لكم منه ولكن يغيب عن قلوبكم ذكر الآخرة وحضرها الأمل فصارت الدنيا أملك بأعمالكم وصرتم كالذين لا يعلمون فبعضكم شر من البهائم التي لا تدع هواها مخافة مما في عاقبته ما لكم لا تحابون ولا تناصحون وأنتم إخوان على دين الله ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم ولو اجتمعتم على البر لتحاببتم ما لكم تناصحون في أمر الدنيا ولا تناصحون في أمر الآخرة ولا يملك أحدكم النصيحة لمن يحبه ويعينه على أمر آخرته ما هذا إلا من قلة الإيمان في قلوبكم لو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرها كما توقنون بالدنيا لآثرتم طلب الآخرة لأنها أملك لأموركم فإن قلتم حب العاجلة غالب فإنا نراكم تدعون العاجلة من الدنيا للآجل منها تكدون أنفسكم بالمشقة والاحتراف في طلب أمر لعلكم لا تدركونه فبئس القوم أنتم ما حققتم إيمانكم بما يعرف به الإيمان البالغ فيكم فإن كنتم في شك مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فائتونا لنبين لكم ولنريكم من النور ما تطمئن إليه قلوبكم والله ما أنتم بالمنقوصة عقولكم فنعذركم إنكم تستبينون صواب الرأي في دنياكم وتأخذون بالحزم في أموركم ما لكم تفرحون باليسير من الدنيا تصيبونه وتحزنون على اليسير منها يفوتكم حتى يتبين ذلك في وجوهكم ويظهر على ألسنتكم وتسمونها المصائب وتقيمون فيها المآتم وعامتكم قد تركوا كثيراً من دينهم ثم لا يتبين ذلك في وجوهكم ولا يتغير حالكم إني لأرى الله قد تبرأ منكم يلقى بعضكم بعضاً بالسرور وكلكم يكره أن يستقبل صاحبه بما يكره مخافة أن يستقبله صاحبه بمثله فاصطحبتم على الغل ونبتت مراعيكم على الدمن وتصافيتم على رفض الأجل ولوددت أن الله تعالى أراحني منكم وألحقني بمن أحب رؤيته ولو كان حياً لم يصابركم فإن كان فيكم خير فقد أسمعتكم وإن تطلبوا ما عند الله تجدوه يسيراً وبالله أستعين على نفسي وعليكم وقال عيسى عليه السلام يا معشر الحواريين ارضوا بدنيء الدنيا مع سلامة الدين كما رضى أهل الدنيا بدنيء الدين مع سلامة الدنيا وفي معناه قيل

أرى رجالاً بأدنى الدين قد قنعوا ... وما أراهم رضوا في العيش بالدون

فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما استغنى ... الملوك بدنياهم عن الدين

وقال عيسى عليه السلام يا طالب الدنيا لتبر تركك الدنيا أبر

وقال نبينا صلى الله عليه وسلم لتأتينكم بعدي دنيا تأكل إيمانكم كما تأكل النار الحطب (٢)

وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام يا موسى لا تركنن إلى حب الدنيا فلن تأتيني بكبيرة هي أشذ منها

ومر موسى عليه السلام برجل وهو يبكي ورجع وهو يبكي فقال موسى يا رب عبدك يبكي من مخافتك فقال يا ابن عمران لو سال دماغه مع دموع عينيه ورفع يديه حتى يسقطا لم أغفر له وهو يحب الدنيا

الآثار قال علي رضي الله عنه من جمع فيه ست خصال لم يدع للجنة مطلباً ولا عن النار مهرباً أولها من


(١) حديث أبي الدرداء لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولهانت عليكم الدنيا ولآثرتم الآخرة أخرجه الطبراني دون قوله ولهانت وزاد ولخرجتم إلى الصعدات الحديث وزاد الترمذي وابن ماجه من حديث أبي ذر وما تلذذتم بالنساء على الفرش وأول الحديث متفق عليه من حديث أنس وفي أفراد البخاري من حديث عائشة
(٢) حديث لتأتينكم بعدي دنيا تأكل إيمانكم كما تأكل النار الحطب لم أجد له أصلا

<<  <  ج: ص:  >  >>