عرف الله وأطاعه وعرف الشيطان فعصاه وعرف الحق فاتبعه وعرف الباطل فاتقاه وعرف الدنيا فرفضها وعرف الآخرة فطلبها
وقال الحسن رحم الله أقواماً كانت الدنيا عندهم وديعة فأدوها إلى من ائتمنهم عليها ثم راحوا خفافاً وقال أيضاً رحمه الله من نافسك في دينك فنافسه ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره وقال لقمان عليه السلام لابنه يا بني إن الدنيا بحر عميق وقد غرق فيه ناس كثير فلتكن سفينتك فيه تقوى الله عز وجل وحشوها الإيمان بالله تعالى وشراعها التوكل على الله عز وجل لعلك تنجو وما أراك ناجياً وقال الفضيل طالت فكرتي في هذه الآية {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لنبلوهم أيهم أحسن عملاً وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا} وقال بعض الحكماء إنك لن تصبح في شيء من الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلك وسيكون له أهل بعدك وليس لك من الدنيا إلا عشاء ليلة وغداء يوم فلا تهلك في أكله وصم عن الدنيا وأفطر على الآخرة وإن رأس مال الدنيا الهوى وربحها النار وقيل لبعض الرهبان كيف ترى الدهر قال يخلق الأبدان ويجدد الآمال ويقرب المنية ويبعد الأمنية قيل فما حال أهله قال من ظفر به تعب ومن فاته نصب وفي ذلك قيل
ومن يحمد الدنيا لعيش يسره ... فسوف لعمري عن قليل يلومها
إذا أدبرت كانت على المرء حسرة ... وإن أقبلت كانت كثيراً همومها وقال بعض الحكماء كانت الدنيا ولم أكن فيها وتذهب الدنيا ولا أكون فيها فلا أسكن إليها فإن عيشها نكد وصفوها كدر وأهلها منها على وجل إما بنعمة زائلة أو بلية نازلة أو منية قاضية وقال بعضهم من عيب الدنيا أنها لا تعطي أحدا ما يستحق لكنها إما أن تزيد وإما أن تنقص وقال سفيان أما ترى النعم كأنها مغضوب عليها قد وضعت في غير أهلها وقال أبو سليمان الداراني من طلب الدنيا على المحبة لها لم يعط منها شيئاً إلا أراد أكثر ومن طلب الآخرة على المحبة لها لم يعط منها شيئاً إلا أراد أكثر وليس لهذا غاية وقال رجل لأبي حازم أشكو إليك حب الدنيا وليست لي بدار فقال انظر ما آتاكه الله عز وجل منها فلا تأخذه إلا من حلة ولا تضعه إلا في حقه ولا يضرك حب الدنيا
وإنما قال هذا لأنه لو آخذ نفسه بذلك لألعبه حتى يتبرم بالدنيا ويطلب الخروج منها وقال يحيى بن معاذ الدنيا حانوت الشيطان فلا تسرق من حانوته شيئاً فيجيء في طلبه فيأخذك وقال الفضيل لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف يبقى لكان ينبغي لنا أن نختار خزفاً يبقى على ذهب يفنى فكيف وقد اخترنا خزفاً يفني على ذهب يبقى وقال أبو حازم إياكم والدنيا فإنه بلغني أنه يوقف العبد يوم القيامة إذا كان معظماً الدنيا فيقال هذا عظم ما حقره الله وقال ابن مسعود ما أصبح أحد من الناس إلا وهو ضيف وماله عارية فالضيف مرتحل والعارية مردودة وفي ذلك قيل
وما المال والأهلون إلا ودائع ... ولا بد يوماً أن ترد الودائع
وزار رابعة أصحابها فذكروا الدنيا فأقبلوا على ذمها فقالت اسكتوا عن ذكرها فلولا موقعها من قلوبكم ما أكثرتم من ذكرها ألا من أحب شيئاً أكثر من ذكره وقيل لإبراهيم بن أدهم كيف أنت فقال
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع
فطوبى لعبد آثر الله ربه ... وجاد بدنياه لما يتوقع
وقيل أيضاً في ذلك
أرى طالب الدنيا وإن طال عمره ... ونال من الدنيا سروراً وأنعما