للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل هي في الدنيا مشاهدة فإن من نهبت داره وأخذ أهله وماله وولده فتكون مصيبته وألمه وتفجعه في كل ما فقد بقدر لذته به وحبه له وحرصه عليه فكل ما كان عند الوجود أشهى عنده وألذ فهو عند الفقد أدهى وأمر ولا معنى للموت إلا فقد ما في الدنيا وقد رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للضحاك بن سفيان الكلابي الست تؤتى بطعامك وقد ملح وقزح ثم تشرب عليه اللبن والماء قال بلى قال فإلام يصير قال إلى ما قد علمت يا رسول لله قال فإن الله عز وجل ضرب مثل الدنيا بما يصير إليه طعام ابن آدم (١)

وقال أبي بن كعب قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الدنيا ضربت مثلاً لابن آدم فانظر إلى ما يخرج من ابن آدم وإن قزحه وملحه إلام يصير (٢) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ ضرب الدنيا لمطعم ابن آدم مثلا وضرب مطعم ابن آدم للدنيا مثلاً وإن قزحه وملحه (٣)

وقال الحسن قد رأيتهم يطيبونه بالأفاويه والطيب ثم يرمون به حيث رأيتم وقد قال الله عز وجل فلينظر الإنسان إلى طعامه قال ابن عباس إلى رجيعه وقال رجل لابن عمر إني أريد أن أسألك وأستحي قال فلا تستحي واسأل قال إذا قضى أحدنا حاجته فقام ينظر إلى ذلك منه قال نعم إن الملك يقول له انظر إلى ما بخلت به انظر إلى ماذا صار وكان بشر بن كعب يقول انطلقوا حتى أريكم الدنيا فيذهب بهم إلى مزبلة فيقول انظروا إلى ثمارهم ودجاجهم وعسلهم وسمنهم

مثال آخر في نسبة الدنيا إلى الآخرة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر أحدكم بم يرجع إليه (٤)

مثال آخر للدنيا وأهلها في اشتغالهم بنعيم الدنيا وغفلتهم عن الآخرة وخسرانهم العظيم بسببها اعلم أن أهل الدنيا مثلهم في غفلتهم مثل قوم ركبوا سفينة فانتهت بهم إلى جزيرة فأمرهم الملاح بالخروج إلى قضاء الحاجة وحذرهم المقام وخوفهم مرور السفينة واستعجالها فتفرقوا في نواحي الجزيرة فقضى بعضهم حاجته وبادر إلى السفينة فصادف المكان خالياً فأخذ أوسع الأماكن وألينها وأوفقها لمراده وبعضهم توقف في الجزيرة ينظر إلى أنوارها وأزهارها العجيبة وغياضها الملتفة ونغمات طيورها الطيبة وألحانها الموزونة الغريبة وصار يلحظ من بريتها أحجارها وجواهرها ومعادنها المختلفة الألوان والأشكال الحسنة المنظر العجيبة النقوش السالبة أعين الناظرين بحسن زبرجدها وعجائب صورها ثم تنبه لخطر فوات السفينة فرجع إليها فلم يصادف إلا مكاناً ضيقاً حرجاً فاستقر فيه وبعضهم أكب على تلك الأصداف والأحجار وأعجبه حسنها ولم تسمح نفسه بإهمالها فاستصحب منها جملة فلم يجد في السفينة إلا مكاناً ضيقاً وزاده ما حمله من الحجارة ضيقاً وصار ثقيلاً عليه ووبالاً فندم على أخذه ولم يقدر على رميه ولم يجد مكاناً لوضعه فحمله في السفينة على عنقه وهو متأسف على أخذه وليس ينفعه التأسف

وبعضهم تولج الغياض ونسي المركب وبعد في متفرجه ومتنزهه منه حتى لم يبلغه نداء الملاح لاشتغاله بأكل تلك الثمار واستشمام تلك الأنوار والتفرج بين تلك الأشجار وهو مع ذلك خائف على نفسه من السباع وغير خال من السقطات


(١) حديث أنه قال للضحاك بن سفيان الكلابي الست تؤتى بطعامك وقد ملح وقزح الحديث وفيه فإن الله ضرب مثل الدنيا لما يصير إليه طعام بن آدم أخرجه أحمد والطبراني من حديثه بنحوه وفيه علي بن زيد بن جدعان مختلف فيه
(٢) حديث أبي بن كعب إن الدنيا ضربت مثلاً لابن آدم الحديث أخرجه الطبراني وابن حبان بلفظ إن مطعم ابن آدم قد ضرب للدنيا مثلا ورواه عبد الله بن أحمد في زياداته بلفظ جعل
(٣) حديث إن الله ضرب الدنيا لمطعم ابن آدم مثلا وضرب مطعم ابن آدم للدنيا مثلا الحديث الشطر الأول منه غريب والشطر الأخير هو الذي تقدم من حديث الضحاك بن سفيان إن الله ضرب ما يخرج من بني آدم مثلا للدنيا
(٤) حديث ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع إليه أخرجه مسلم من حديث المستورد بن شداد

<<  <  ج: ص:  >  >>