للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأودعوهما إياه" (١).

وإذا كان ابن مسعود يظن - حسب تلك الآثار الضعيفة - عدم قرآنيتهما؛ فإن جميع الصحابة خالفوه في ذلك، فالمفروض في ميزان العقلاء أن قوله خطأ يردُّ في مقابل قولهم الصحيح، يقول ابن قتيبة: "إنا لا نقول: إن عبد الله وأُبياً أصابا (٢)، وأخطأ المهاجرون والأنصار، ولكن عبد الله ذهب فيما يرى أهل النظر إلى أن المعوذتين كانتا كالعوذة والرقية وغيرها، وكان يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوذ بهما الحسن والحسين وغيرهما .. فظن أنهما ليستا من القرآن، وأقام على ظنه ومخالفة الصحابة جميعاً" (٣)، ولن يقبل أحد ترك القراءة بآية قرآنية، لأن ابن مسعود لم يسمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فليس من شرط القرآن أن يسمعه ابن مسعود - رضي الله عنه - تحديداً.

قال البزار: "لم يتابع عبدَ الله أحدٌ من الصحابة، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قرأ بهما في الصلاة، وأُثبتتا في المصحف" [أي العثماني] (٤)، أفلا يكفي للإيمان بقرآنيتهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأهما في الصلاة (٥).

كما جاء في صحيح مسلم من حديث عقبة بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: «ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}» (٦)، وفي رواية عنه - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «فإن استطعت ألا تفوتك قراءتهما في صلاة، فافعل» (٧).

ونقل أبو سعيد الخدري قرآنيتهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ


(١) أخرجه أحمد ح (٢٠٦٤٨).
(٢) اعتبر أُبي بن كعب ما كان يقرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - في قنوته في الصلاة من القرآن، ثم رجع عنه كما يأتي جوابه.
(٣) انظر: تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة، ص (٤٣).
(٤) مسند البزار ح (١٥٨٦)، مجمع الزوائد، الهيثمي (٧/ ٦٠).
(٥) أخرجه أبو داود في سننه ح (١٤٦٣).
(٦) أخرجه مسلم ح (٨١٤).
(٧) أخرجه ابن حبان ح (١٨٤٢).

<<  <   >  >>