قالوا اقترحْ شيئاً نُجِد لك طبخَه ... قلتُ اطبخوا لي جبّةً وقميصاً
فالطبخ إنما يكون في الطعام، وليس في الجبة والقميص، لكن الشاعر العربي تزيد حاجته إلى الجبة والقميص على حاجته إلى الطعام، فطلب الملابس بكلام شاكل فيه قولهم:(نُجِد لك طبخه)، فسألهم حاجته:(اطبخوا لي جبة وقميصاً).
ومثله في المشاكلة اللفظية قول عمرو بن كلثوم في معلقته:
ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا ... فنجهل فَوقَ جهل الجاهلينَا
أي نجازيه على جهله، فسمى المجازاة جهلاً للمشاكلة فحسب، وإلا فإن الجهل لا يفخر به، بل يستحى منه.
ومثله قول أبي تمام:
من مبلغٌ أفناء يعربَ كلَّها ... أني بنيت الجار قبل المنزل
ومن المعلوم أن الجار يجاور ولا يبنى، لكن حقيقة (بنيتُ) اللغوية غير مرادة، فهو لم يرد حقيقة البناء في (بنيتُ) كما لم يرد حقيقة الجهل في (فنجهل) ولا حقيقة الطبخ في (اطبخوا).
ومثل هذا يفهمه الناس والعوام في كلامهم حتى في أيامنا هذه، فلو تواعد اثنان على موعد، فغاب عنه أحدهما، واعتذر لذلك بالنسيان، فقابله الآخر بالتخلف عن موعد آخر، ليقابل خلفه بخلف مثله، ثم يقول له: نسيت موعدك كما نسيت موعدي، أو نسيتك كما نسيتني، والسامع لمثل هذا يدرك أنه لا يريد أنه نسيه على الحقيقة، إنما أراد مجازاته على نسيانه بالتخلف المتعمد، وأن قوله:(نسيت) من باب المشاكلة اللفظية فحسب.
وهذا الأسلوب الذي عرفه العرب في كلامهم جاء في القرآن صور كثيرة منه، لنزوله بلسان عربي مبين، ومن صور المشاكلة اللفظية في القرآن قوله تعالى:{وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}(الشورى: ٤٠)، فسمى عقوبة السيئة وقصاصها