للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوع الصغائر من الأنبياء" (١).

وقد ذكر القرآن الكريم وقوع بعض الأنبياء في صغائر الذنوب، وذكر استغفارهم الله وتوبتهم منها، ومنه قوله تعالى عن أبينا آدم: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (طه:١٢١ - ١٢٢)، وقوله على لسان إبراهيم عليه السلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (الشعراء: ٨٢)، وقوله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: {لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (الفتح: ٢)، فهم بشر يخطئون، لكنهم - عليهم الصلاة والسلام- أعرف الناس بربهم، وأخوفهم له، وأسرعهم إليه توبة، وأقلهم مواقعة لمعصيته، فـ "الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم، ونسبها إليهم، وعاتبهم عليها، وأخبروا بذلك عن نفوسهم، وتنصلوا منها، واستغفروا منها وتابوا .. وكل ذلك مما لا يزري بمناصبهم، وإنما تلك الأمور التي وقعت منهم على جهة الندور [أي كانت نادرة]، وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو تأويل دعا إلى ذلك، فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات، وفي حقهم سيئات بالنسبة إلى مناصبهم، وعلو أقدارهم؛ إذ قد يؤاخذ الوزير بما يثاب عليه السائس، فأشفقوا من ذلك في موقف القيامة، مع علمهم بالأمن والأمان والسلامة" (٢).

وهذه الذنوب الصغائر يُغض عنها، فتطوى لندرتها؛ فإنها تغور في بحور حسنات الأنبياء الذين سبقوا إلى الله بالعمل الصالح {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء:٩٠).

وإزاء هذا التصور الإسلامي لمقام النبوة تثور مفاهيم باطلة؛ يزعم أصحابها


(١) شرح ابن بطال (١٠/ ٤٣٩)، وقد خالف الخوارج والمعتزلةُ أهلَ السنة والحق، فقالوا بعصمة الأنبياء عن الصغائر، كما شذَّ الرافضة حين ادعوا عصمة الأنبياء قبل النبوة.
(٢) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (١١/ ٢٥٥).

<<  <   >  >>