للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مع تقواه لله وَوَرَعه، فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب، من آمن منهم، مثل: كعب أو وهب بن مُنَبّه وغيرهما" (١).

ولو فرضنا جدلاً صحة القصة التي تنسب إلى آدم؛ فإن غاية ما تذكره القصة أن آدم وقع في شرك التسمية؛ حين سمي الولد "عبد الحارث"، ولكنه لم يقع في شرك العبادة، وبين النوعين فرق كبير، قال قتادة: "فأشركا في الاسم. ولم يشركا في العبادة " (٢).

وقال القرطبي في شرحه: "قال المفسرون: كان شركاً في التسمية والصفة، لا في العبادة والربوبية .. إنهما لم يذهبا إلى أن الحارث ربهما بتسميتهما ولدهما عبد الحارث، لكنهما قصدا إلى أن الحارث كان سبب نجاة الولد، فسمياه به، كما يسمي الرجل نفسه عبد ضيفه على جهة الخضوع له، لا على أن الضيف ربه، كما قال حاتم طيء:

وإني لعبد الضيف ما دام ثاوياً ... وما فيَّ إلا تيك من شيم العبد " (٣).

وبالعود إلى الآية المستشكلة في معناها فإن من العلماء من يرى أنها تتحدث إلى قريش، وأن الله خلقهم من نفس واحدة هي نفس أبيهم قصي بن كلاب، وأنها تعنفهم على ما وقعوا فيه من الشرك بعد ذلك (٤).

ولكن جمهور المفسرين يرون أن قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} مقصود به آدم


(١) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (٢/ ٣٦٣).
(٢) جامع البيان، الطبري (١٣/ ٣١٢).
(٣) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (٧/ ٣٣٩)، وانظر: تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة، ص (٢٥٩)، وزاد المسير، ابن الجوزي (٣/ ٣٠٣).
(٤) انظر: البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي (٤/ ٤٣٦)، والكشاف، الزمخشري (٢/ ١٨٠ - ١٨١).

<<  <   >  >>