للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك ضعفها ابن حزم بقوله: "والحديث الذي فيه: وإنهن الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترجى. فكذب بحت لم يصلح من طريق النقل، ولا معنى للاشتغال به، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد" (١).

وقال القاضي عياض: " هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم" (٢).


(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (١٢/ ٨٤)، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (٣/ ٣١٨)، والإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير، محمد أبو شهبة (٣١٤)، ونصب المجانيق لإبطال قصة الغرانيق، محمد ناصر الدين الألباني، ص (٤٤ - ٤٧)، والبحر المحيط، أبو حيان (٦/ ٣٥٢).
(٢) الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض (٢/ ١٢٥)، وقد حسَّن ابن حجر روايات قصة الغرانيق رغم اعترافه بأن أسانيدها مرسلة، واحتج لتحسينه بتعدد مخارجها، لكنه مع ذلك لا يقول بما يقول به المرجفون بهذه القصة من نطق النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الكلمات، بل يتأولها على أن الشيطان كان يتكلم بين سكتات النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستدل لذلك بما جاء في رواية ابن أبي حاتم من سماع المشركين لهذه الكلمات وعدم سماع المسلمين لها "فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين، ولم يكن المسلمون سمعوا الآية التي ألقى الشيطان في مسامع المشركين". انظر: فتح الباري، ابن حجر (٨/ ٤٣٩)، وتفسير ابن أبي حاتم (٨/ ٢٥٠١).
وقد رد العلامة الألباني تحسين ابن حجر لهذه الروايات واعتبرها من أوهامه رحمه الله. انظر: نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق، الألباني، ص (٣٧).
وقد فهم ابن حجر من قوله تعالى: {فِي أُمْنِيَّتِهِ} أنه بمعنى: عند تلاوته، أي ألقى الشيطان في مسامع الكفار تلك الكلمات عند تلاوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي سكتاته، وهذا تحتمله لغة العرب، لأن (في) تأتي بمعنى: (عند)، كما في قوله تعالى: {وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} (الشعراء: ١٨)، أي لبثت عندنا.
وإلى هذا أشار القرطبي ورتبه: "على تسليم الحديث لو صح، وقد أعاذنا الله من صحته .. الذي يظهر ويترجح في تأويله على تسليمه [أي إذا سلمنا بصحة الرواية، وليست بصحيحة] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كما أمره ربه يرتل القرآن ترتيلاً، ويفصل الآي تفصيلاً في قراءته، كما أخرجه الثقات عنه، فيمكن ترصد الشيطان لتلك السكتات ودسه فيها ما اختلقه من تلك الكلمات، محاكياً نغمة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ بحيث يسمعه من دنا إليه من الكفار، فظنوها من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وأشاعوها، ولم يقدح ذلك عند المسلمين لحفظ السورة قبل ذلك على ما أنزلها الله، وتحققهم من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذم الأوثان وعيبها ما عرف منه، فيكون ما روي من حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذه الإشاعة والشبهة وبسبب هذه الفتنة ". الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (١٢/ ٨٣).

<<  <   >  >>