ولو أغمضنا الطرف عن مدنية سورة الحج ومباينتها للأسطورة المكية؛ فإن في تمام آيات سورة الحج ما يرد على القادحين بوحي القرآن، ففي تمام الآية السابقة أن الله يحفظ آياته ويحكمها؛ وأنه يبطل عنها ما يلقيه الشيطان {فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(الحج: ٥٢)، فبإحكام الله لآياته يزول كل لبس وتنجلي كل شبهة إلا عند أصحاب القلوب المريضة الذين تصور الآيات افتتانهم بهذا الذي ألقاه الشيطان وأبطله الله {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الله لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(الحج: ٥٣ - ٥٤).
٥ - تتعارض روايات الغرانيق مع عصمة الله أنبياءه عليهم السلام من تسلط الشيطان عليهم وتخليط باطله بالوحي المنزل إليهم، فالله يثبت أنبياءه عليهم السلام ويمنعهم مما يعرض لغيرهم من عوارض الضعف البشري الذي يخل بمنصب النبوة والرسالة، ومن مثل ذلك قول الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً}(الإسراء: ٧٣ - ٧٥)، فتثبيت الله تعالى له نفى عنه المقاربة والميل إلى الكافرين.
وقد امتن الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - بهذه العصمة الإلهية، فهي بعض فضل الله عليه {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً}(النساء: ١١٣).
يقول ابن كثير: "قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمته - صلى الله عليه وسلم - ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، أما من تمنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آلهة غير الله وهو