للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - أن السياق القرآني في سورة النجم التي ذكروا أن هذه الكلمات ألقيت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها يندد بأصنام المشركين ومعبوداتهم {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ الله بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (النجم: ١٩ - ٢٣)، فلو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - نطق بتلك الكلمات فإن في السياق ما يبين براءته من الأصنام وكفره بها، فلو كان المشركون سمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - مدحاً لأصنامهم وهو يقرأ آيات سورة النجم المشنعة على هذه المعبودات الباطلة لقالوا له: ما بالك تشتم آلهتنا وتذكر أنها معبودات باطلة نعبدها نحن وآباؤنا من غير سلطان من الله، ثم أنت تقول: شفاعتهن ترتجى! لكن شيئاً من ذلك لم يكن، لأن القصة مختلقة وغير صحيحة.

يقول ابن كثير: " استحالة هذه القصة نظراً وعرفاً، وذلك أن هذا الكلام لو كان كما روي لكان بعيد الالتئام، متناقض الأقسام، ممتزج المدح بالذم، متخاذل التأليف والنظم، ولما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا من بحضرته من المسلمين وصناديد المشركين ممن يخفى عليه ذلك، وهذا لا يخفى على أدنى متأمل، فكيف بمن رجح حلمه، واتسع في باب البيان ومعرفة فصيح الكلام علمه" (١).

٤ - لا علاقة بين أسطورة الغرانيق المكية وآيات سورة الحج المدنية، والتي ورد فيها قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (الحج: ٥٢)، فقد ربط بينهما من وصفهم القاضي عياض بأنهم "المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم" (٢).


(١) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (٣/ ٤٤٤).
(٢) الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض (٢/ ١٢٥).

<<  <   >  >>