وضرب الأب المسكين أمثلة لهذه الغيبوبة من الكتاب المقدس، ونكتفي بذكر ثلاثة مواضع من الكتاب المقدس تتحدث عن أحوال الأنبياء عند الوحي؛ وإن كنا لا نسلم بنبوة بعضهم، وأولها ما جاء عن بولس (الرسول)، حيث يقول:" وحدث لي بعد ما رجعت إلى أورشليم، وكنتُ أصلّي في الهيكل أني حصلت في غيبة، فرأيته قائلاً لي: أسرع واخرج عاجلاً من أورشليم، لأنهم لا يقبلون شهادتك عني"(أعمال ٢٢/ ١٧ - ١٨)، فبولس يتحدث عن غيبة حصلت له وهو يوحى إليه حسب زعمه.
وفي سفر دانيال يحكي النبي دانيال عن الأثر الكبير الذي تركه الوحي عليه:"فبقيت أنا وحدي، ورأيت هذه الرؤيا العظيمة، ولم تبق فيّ قوة، ونضارتي تحولت فيّ إلى فساد، ولم أضبط قوة، وسمعت صوت كلامه، ولما سمعت صوت كلامه كنت مسبّخاً على وجهي، ووجهي إلى الأرض، وإذ بيد لمستني وأقامتني مرتجفاً على ركبتيّ وعلى كفيّ يديّ"(دانيال ١٠/ ٧ - ١٠).
ومثله في قوله:"أنا دانيال ضعفتُ ونحلت أياماً، ثم قمت وباشرت أعمال الملك، وكنت متحيّراً من الرؤيا ولا فاهم"(دانيال ٨/ ٢٧).
إن تهمة الإصابة بالصرع لم تصدر عن واحد من معاصريه - صلى الله عليه وسلم - رغم استحكام العداء بينهم وبينه، ورغم حرصهم على تلفيق الكاذب من التُّهم كاتهامه - صلى الله عليه وسلم - بالسحر والجنون وقول الشعر، لكن لم يتهموه بالصرع أبداً، فدل ذلك على أن الأمر لا يعدو أن يكون أبطولة من نسج خيال المبطلين المتأخرين.
إن أحداً من العقلاء لن يقبل فكرة أن هذا الرجل الذي أنشأ الأمة التي قادت الحضارة الإنسانية كان مريضاً، ولسوف يصبح مضحكة للصغار قبل الكبار حين يقول: إن هذا القرآن العظيم ببيانه وإعجازه وأسلوبه كان نتيجة وأثراً لمرض عضال.
وهكذا تبين براءة شخص النبي - صلى الله عليه وسلم - مما يقوله الأفاكون عنه، وأن ما يقولونه لا يعدو ما قاله إخوانهم في الإفك من كفار قريش، حين رموه بالجنون والكهانة والشعر، حسداً منهم لشخصه - صلى الله عليه وسلم - ونبوته.