{أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ}(الأعراف: ٣٧)، فالفاعل في الجملة (نصيب)، كما الفاعل في الآية السابقة (غضب)، وفي الآية التي استشكلوها (عهدي)، ولم تظهر عليها علامة الرفع لتعذره بسبب إضافتها إلى ضمير المتكلم (الياء)، إذ يتعذر النطق بـ (عهدُي)، فتبين جهل القائلين بهذه الأبطولة، أو بالأحرى عجزهم عن الإتيان بغلط في القرآن يوافقهم عليه البلغاء والعقلاء.
المسألة الثالثة: عطف المنصوب على المرفوع
قالوا: العرب تعطف مرفوعاً على مرفوع، ومنصوباً على منصوب، في حين أن القرآن عطف على المرفوع منصوباً في قوله:{لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ مِنْهُمْ وَالمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً}(النساء: ١٦٢)، فقالوا: يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع، فيقول:(والمقيمون الصلاة) بدلاً من نصبه في قوله: {وَالمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ}، لأنها معطوفة على مرفوع {وَالمُؤْمِنُونَ بِاللهِ} وقوله: {الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ}.
والجواب: أن الواو في قوله {وَالمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} ليست واو العطف، بل واو معترضة، وما بعدها منصوب على الاختصاص بالمدح، أي: وأمدح المقيمين الصلاة، وفي هذا مزيد عناية بهم عن المذكورين في الآية، فـ {المُقِيمِينَ} منصوبة على المدح، كما قال إمام اللغة سيبويه (١).
ومثله قوله تعالى في آية أخرى:{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّراء}(البقرة: ١٧٧)، فلم يقل:(والصابرون) وقد سبقها: {الْمُوفُونَ}، والتقدير: وأخص بالمدح الصابرين في البأساء.
ونصب {المُقِيمِينَ} خلافاً لنسق ما قبله وما بعده؛ وهي طريقة في الإنشاء