تفعله العرب لفتاً لنظر القارئ أو السامع إلى أهمية ما بعده وخصوصيته، وتفعله بقصد المدح كما في هذه الآية، أو بقصد الذم كما في قوله تعالى:{وامرأتُه حمالةَ الحطب}(المسد: ٤)، أي أعني حمالة الحطب، فنصب {حمالةَ} على الاختصاص بالذم.
والنصب على الاختصاص سائغ ومعروف في كلام العرب، ولم يستنكره إلا أعاجم العربية اليوم، وقد كثر في أشعار العرب وآدابها، ومنه قول الخِرنقُ بنتُ بدر بن هَفَان وهي ترثي زوجها بشر بن عمرو الضبعي:
لا يبعدن قومي الذين هم ... سمُّ العداة وآفةُ الجُزْر
النازلين بكل معترَك ... والطيبون معاقد الأُزْرِ (١)
فقولها:(النازلين) منصوب على الاختصاص، وليس صفة أو معطوفاً على:(سمُّ العداة) و (آفةُ الجزر).
فنصب «شُعْثاً» على الاختصاص، مع أنه معطوف على مجرور.
وهكذا فالقرآن الكريم نصب قوله تعالى:{والمُقِيمِينَ} على الاختصاص، والواو هي واو الاعتراض؛ لا العطف.
المسألة الرابعة: عطف المرفوع على منصوب في قوله {وَالصَّابِئُونَ}
قالوا: المعطوف على المنصوب حقه في لغة العرب النصب، والقرآن رفعه مخالفاً قواعد العربية في قوله:{إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ}(المائدة: ٦٩)، والصحيح - حسب حذلقتهم - أن ينصب المعطوف على اسم إنَّ، فيقول:(والصابئين) كما في سورة البقرة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا