قالوا: العرب لا تأتي بضمير فاعل مع وجود الفاعل (اسم ظاهر)، حتى لا يكون في الجملة فاعِلَيْن، بينما القرآن جعل للفعل فاعِلَيْن في قوله:{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الذِينَ ظَلَمُوا}، ورأى المتحذلقون من أعاجم العرب أن الأولى أن يقول:(وأسر النجوى الذين ظلموا)، أي حذف ضمير الفاعل (الواو) في {أسرّوا} لوجود الفاعل ظاهراً وهو قوله: {الذين}.
الجواب: سبقت الإشارة إليه في مقدمة هذا المبحث، فهذا الأسلوب جائز على لغة طيء وأزد شنوءة، وهم من العرب الفصحاء، ويضرب اليوم لهذه اللغة مثلاً، وهو قولهم لغة (أكلوني البراغيث).
والعرب تعرف هذا في آدابها وأشعارها (١)، كما قال الشاعر:
نصروك قومي فاعتززتَ بنصرهم ... ولو أنهم خذلوك كنتَ ذليلا
فقد ألحق الشاعر الواو بالفعل في قوله:(نصروك)، مع أن الفعل مسند إلى فاعل ظاهر بعده، وهو قوله:(قومي).
ومنه قول عبد الله بن قيس في رثاء مصعب بن الزبير:
تولى قتال المارقين بنفسه ... وقد أسلماه مبعدٌ وحميم
فقد وصل الشاعر ألف التثنية بالفعل؛ مع أن الفاعل اسم ظاهر (مبعد)، وكان القياس على القاعدة أن يقول:(وقد أسلمه مبعد وحميم).
ومنه قول الشاعر:
فأدركنه خالاتُه فخذلنه ألا ... إن عرق السوء لا بد مدرِك
فألحق نون النسوة بالفعل في قوله:(فأدركنه)، مع وجود اسم الفاعل ظاهراً (خالاتُه).
(١) انظر الشواهد الشعرية الآتية وغيرها في شرح ابن عقيل (١/ ١٩٩).