للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأرض خلقت قبل السماء , ودحيت بعد ذلك , فلا تعارض , والآخر: تكون (ثم) لترتيب الأخبار" (١).

الوجه الثالث: أن الخلق على نوعين: خلق إيجاد، وخلق تقدير، فأما خلق الإيجاد فهو الخلق المعلوم، وأما خلق التقدير فكما في قول زهير:

ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ... ض القوم يخلق ثم لا يفري

وضرب الرازي لهذه الخلقة مثلاً بقول الله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ الله كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (آل عمران: ٥٩)، إذ "لا يقال للشيء الذي وجد: كن، بل الخلق عبارة عن التقدير، وهو في حقه تعالى؛ حكمه أن سيوجد، وقضاؤه بذلك بمعنى خلق الأرض في يومين، وقضاؤه بحدوث كذا، أي مدة كذا، لا يقتضي حدوثه ذلك في الحال، فلا يلزم تقديم إحداث الأرض على إحداث السماء" (٢).

فهذه أوجه ثلاثة من تدبرها استبان له المعنى، وعلم براءة القرآن من الاختلاف والتناقض، وعلم سعة لغة العرب وجهل أعاجم العرب المتحدثين بالسوء عن القرآن العظيم.

الإشكال الرابع: أحوال الناس في يوم القيامة

قالوا: تناقض القرآن وهو يقص أحوال الناس في يوم القيامة، فتارة يقول: إنهم لا ينطقون: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} (المرسلات: ٣٥ - ٣٦)، وتارة يذكر أنهم ينطقون ويعتذرون: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (الأنعام: ٢٣)، وأنهم يقولون: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ} (النحل: ٢٨).


(١) التسهيل في علوم التنزيل، ابن جزيء (١/ ٤٣)، وانظر الجواهر الحسان، الثعالبي (١/ ٤٢)، والمحرر الوجيز، ابن عطية (١/ ٢٢٣).
(٢) التفسير الكبير، الرازي (٢٨/ ١٠٧).

<<  <   >  >>