للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الاستخدام لـ (ثم) كثير في القرآن (١).

وإذا تبين ما تفيده (ثم) عند العرب، فلنقرأ الآيات مع أبي حيان الأندلسي وفق هذا المفهوم: " (ثم) لترتيب الأخبار لا لترتيب الزمان والمهلة، كأنه قال: فالذي أخبركم أنه خلق الأرض وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها، ثم أخبركم أنه استوى إلى السماء، فلا تعرض في الآية لترتيب .. فصار كقوله: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} (البلد: ١٧) بعد قوله: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} (البلد: ١١)، ومن ترتيب الإخبار {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} (الأنعام: ١٥٤) بعد قوله: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ} (الأنعام: ١٥١).

ويدل على أنه المقصود؛ الإخبار بوقوع هذه الأشياء من غير ترتيب زماني قوله في الرعد: {الله الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} (الرعد: ٢) الآية، ثم قال بعد: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً} (الرعد: ٣) الآية. وظاهر الآية التي نحن فيها جعل الرواسي، وتقدير الأقوات قبل الاستواء إلى السماء وخلقها، ولكن المقصود في الآيتين الإخبار بصدور ذلك منه تعالى من غير تعرض لترتيب زماني" (٢).

وهكذا يستبين معنى آيات سورة فصلت التي قد ورد فيها الإشكال، فقد بدأ القرآن بالحديث عن خلق الأرض، لأنها القريب المباشر للإنسان، ثم انتقل للحديث عن البعيد، وهو السموات، من غير أن يكون ذلك مقتضياً خلق الأرض قبل السماء.

وهكذا، فهذان الوجهان مذكوران عند العلماء في القديم والجديد، قد أشار ابن جزيء في تفسيره إلى صحتهما بقوله: " الجواب من وجهين: أحدهما: أن


(١) انظر: دراسات لأسلوب القرآن الكريم، محمد عبد الخالق عضيمة (٢/ ١١٦ - ١١٨).
(٢) البحر المحيط، أبو حيان (٥/ ٣٥٤).

<<  <   >  >>