للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصفات (١).

وهذه الدلالة لـ (ثم) موجودة في القرآن الكريم في مواضع، منها قوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} (السجدة: ٧ - ٩)، ومن المعلوم أن التسوية تكون قبل إنجاب النسل، فهذا لا يخفى، ومع ذلك قال القرآن: {جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ} فـ (ثم) هنا للترتيب الذكري؛ لا الوجودي، والمعنى: ثم اذكر كيف سواه الله.

ونحو هذا ما جاء في سياق وصايا الله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} وفي آخرها يقول: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} (الأنعام: ١٥٣ - ١٥٤)، ومن المعلوم أن موسى كان قبل وصية الله لنبينا - صلى الله عليه وسلم -، لكن الترتيب الوجودي غير مراد في قوله: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى}.

ومثله أمره تبارك وتعالى للمؤمنين بالإفاضة من عرفات بعد حديثه عن المشعر الحرام {فَاذْكُرُوا اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُمْ مّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالّينَ} (البقرة: ١٩٨)، ثم عادت الآية التي بعدها للحديث عن مسألة الإفاضة من عرفات ووجوب مخالفة المشركين فيها، وصدرت الآية بـ (ثم)، فقال الله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (البقرة: ١٩٩)، ومن المعلوم أن الوقوف بعرفات سابق على الوقوف بالمشعر الحرام (مزدلفة).

ومثله قول الله تعالى: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (التكاثر: ٧ - ٨)، والسؤال يكون يوم القيامة قبل رؤية الجحيم، وأمثال


(١) انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور (١/ ٣٧٦ - ٣٧٧).

<<  <   >  >>