دوام الحال الواحد واستغراقه لكل ذلك اليوم الطويل، فقوله:{لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}(عبس: ٣٧)، لا يستوعب كل يوم القيامة؛ لوجود أوقات يأمن فيها المرء على نفسه، حين يعلم صلاح مآله ونجاته من النار، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث السالف:«أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحداً»، مما يعني أن في غيرها من المواطن يتذكر المرء أحبابه وخلانه، لأمنه فيها من العذاب.
وكذلك قوله:{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي}(الفجر: ٢٣ - ٢٤)، ومن المعلوم أن مجيء النار وتذكر الإنسان لا يستغرق كل يوم القيامة، بل يكون في جزء منه.
الإشكال الخامس: هل يتساءل الناس يوم القيامة؟
قالوا: يخبر القرآن عن أهل النار أنهم يوم القيامة يتساءلون: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ}(الصافات: ٢٧)، بينما يخبر في سورة (المؤمنون) أنهم لا يتساءلون: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ}(المؤمنون: ١٠١)، وهذا - بحسب زعمهم - من التناقض الصريح الذي يمنع نسبة القرآن إلى الله العليم.
وفي الجواب ذكر العلماء وجهين صحيحين:
الأول: وهو ما ذكرناه في الإشكال السابق، ويتلخص في أنهم عند النفخة وقيام الأشهاد واضطراب الخلائق لا يتساءلون لهول المطلع {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ}(المؤمنون: ١٠١)، فهذا الوقت عصيب، وهو وقت فزع وخوف {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء الله وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}(النمل: ٨٧)، مثله في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم