للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شَدِيدٌ} (الحج: ١ - ٢)، ثم يفيق العباد من هول المطلع فيكون بعد ذلك التلاوم والتساؤل.

الثاني: أن القرآن نزل بلسان العرب، موافقاً لما عهدوه في أساليبهم وطرائقهم في البيان، والعرب تعتبر الفعل الذي لا فائدة منه كالعدم، ولأجل هذا سمى القرآن المنافقين: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} (البقرة: ١٨)، وهم في الحقيقة يسمعون وينطقون ويبصرون {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ الله وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} (الأحقاف: ٢٩)، لكنهم صم عن سماع الحق، وعمي عن رؤيته، وبكم عن النطق به {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف: ١٧٩)، وبمثل هذا نقول: إن النظر مع عدم الإفادة منه هو كعدم النظر حكماً، فصاحبه أعمى، وإن كان يرى ما يراه ذو العينين.

ولمثل هذا قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (آل عمران: ٧٧)، فليس المقصود منه نفي نظر الله إليهم، فالله لا يغيب عنه أحد، وليس المقصود أنه تبارك وتعالى لن يكلمهم، فكلامه لهم ثابت في عشرات الآيات التي تحكي عن توبيخ الله للمشركين وتقريعه لهم، لكن المقصود أنه لا يكلمهم كلاماً ينفعهم، لا يكلمهم بما فيه رحمة لهم، ولا ينظر إليهم نظرة تفيدهم وتنجيهم من عذابهم وخوفهم، فلما لم يكن لها فائدة كانت بمنزلة العدم.

ومثله قول الله تعالى عن الكافر: {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى}

<<  <   >  >>