للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(طه: ٧٤)، أي لا يحيى فيها حياة طيبة هانئة، وإلا فهو - على الحقيقة - حي فيها لا يموت أبداً.

ومثله كذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن صلى على الحقيقة؛ غير أنه أساء في صلاته: «ارجع فصلِ؛ فإنك لم تصلِ»، فصلاته في حكم العدم لعدم إقامته ركوعها وسجودها (١).

ومثله قوله تعالى وهو يصف حال الناس في كربات يوم القيامة: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ} (المؤمنون: ١٠١)، فليس معناه أنهم تنقطع الأنساب بينهم، فلا يكون الابن ابناً لأبيه، فإن القرآن أثبت النسب بين الناس في يوم القيامة ونفى الانتفاع به {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (عبس: ٣٤ - ٣٧)، فلما كان النسب لا ينفع يومئذ قال الله: {فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ} (المؤمنون: ١٠١)، أي لا ينفعهم النسب حينذاك، كما لا ينفعهم التساؤل (٢).

وإلا فإن التساؤل بينهم من غير منفعة واقع، وقد ذكره القرآن في غير آية {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} (الصافات: ٢٧ - ٣٣)، لكنه تساؤل التلاوم الذي لا فائدة فيه ولا نفع، فوجوده وعدمه بالنسبة لهم سواء، لذا قال الله: {فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ}.


(١) أخرجه البخاري ح (٧٥١)، ومسلم ح (٣٩٧).
(٢) نكت الانتصار لنقل القرآن، الباقلاني، ص (٢٠١).

<<  <   >  >>