للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومسألة جواز الاسترقاق بالحرب ليست أمراً لازماً بالضرورة؛ إذ لم يأمر بها القرآن الكريم، لكنها حالة أذن الإسلام فيها للإمام أن يسترق أو يعفو أو يأخذ الفداء، وهذا الخيار يتيح للإمام المسلم أن يواجه معاملة الأمم الأخرى لأسرى المسلمين بمثله، فالأمم التي تسترق المسلمين في حروبها يسترق المسلمون أسراها.

لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أحرص الناس على فكاك أسرى المشركين وعدم استرقاقهم، وشواهد ذلك في سيرته - صلى الله عليه وسلم - كثيرة، منها قول ابن عباس: (أعتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الطائف من خرج من رقيق المشركين) (١).

لقد أبقى الإسلام على الرق؛ لأن إلغاءه المفاجئ إضرار بالسادة والعبيد على السواء، فأما العبيد فسيخسرون موارد رزقهم وكفالة مواليهم لهم، وهذا يذكرنا بثورة العبيد على الرئيس الأمريكي إبراهام لنكون حين أصدر أمره بتحرير العبيد، فثاروا عليه لما فقدوا الرعاية والغذاء والسكن، فالمجتمع لم يكن مؤهلاً لمثل هذا التغير الاجتماعي الكبير.

وأما السادة فتحرير العبيد يفقدهم أموالهم، إذ العبيد - يومذاك- مال قد لا يملك السيد غيره، كما في حديث عمران بن حصين عن الرجل الذي (أعتق ستة أعبد عند موته؛ ولم يكن له مال غيرهم)؛ فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلام فعله (٢)؛ لما فيه من إضرار بورثته.

وقد تنبأ الإسلام بنهاية الرق حين جعل لعتق الرقيق بديلاً في العقوبات التي شرع فيها العتاق، كما في قوله: {فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ الله وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً} (النساء: ٩٢)، ومثله في قوله: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ


(١) أخرجه أحمد ح (٣٤٠٥).
(٢) أخرجه مسلم ح (١٦٦٨).

<<  <   >  >>