للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقالت: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أنا واللهِِِ محمد بن عبد الله، وأنا واللهِِِِ رسول الله».

قال: وكان لا يكتب، فقال لعلي: «امح: رسول الله». فقال علي: والله لا أمحاه أبداً. قال: «فأرنيه»، فأراه إياه، فمحاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده (١).

وفي رواية مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «أرني مكانها» فأراه مكانها، فمحاها (٢)، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعرف قراءة المكتوب، ولم يستدل على مكانه في الصحيفة إلا حين دلَّه علي - رضي الله عنه -.

ثم تمضي الروايات الصحيحة فتبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب بدل ما مُحي، مع تأكيدها على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن قبلها كاتباً، فكانت كتابته - صلى الله عليه وسلم - أعجوبة لمن رآها، ففي رواية البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (أخذ الكتاب، وليس يحسن يكتب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القراب .. ) (٣)، فقصة كتابته كانت على غير المعهود منه - صلى الله عليه وسلم -.

وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر حياته: «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده»، فلا يفيد معرفته - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة والكتابة، وأنه سيكتب بنفسه هذا الكتاب، فإن الناس لم تزل تقول: قَتلَ الأمير، وكتب الأمير وجلد وضرب، وإنما تقصد أنه وجه بذلك وأمر به، من غير أن يفهم السامع أنه فعله بنفسه.

ولتأكيد صحة هذا الفهم نذكر روايتين يرويهما الإمام أحمد في مسنده من حديث البراء بن عازب تتحدثان عن نزول قوله تعالى: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} (النساء: ٩٥).


(١) أخرجه البخاري ح (٣١٨٤).
(٢) أخرجه مسلم ح (١٧٨٣).
(٣) أخرجه البخاري ح (٤٢٥١).

<<  <   >  >>