للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي الأُولى يقول البراء بن عازب: لما نزلت هذه الآية أتاه ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول الله، ما تأمرني؟ إني ضرير البصر، فنزل قوله: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ائتوني بالكتف والدواة، أو اللوح والدواة» (١)، فهذه الرواية تفيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلب أدوات الكتابة، ولربما فُهم منها أنه يريد كتابة الآيات بنفسه، كما فُهم من قصة الكتاب الذي أراد - صلى الله عليه وسلم - كتابته في آخر حياته.

لكن ذلك غير مقصود، إذ تفسره الرواية الأخرى للحديث، حيث يقول فيها البراء: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ادعوا لي زيداً يجيء أو يأتي بالكتف والدواة أو اللوح والدواة، كتب: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} .. » (٢)، فالمقصود من قوله: «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً» طلبُ أدوات الكتابة مع من يكتب بها، لا أنه سيكتب بها - صلى الله عليه وسلم - بنفسه.

وهكذا يتبين أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أُمِّياً، وأن النصين يكملان ما جاء في القرآن الكريم من التصريح بأميته - صلى الله عليه وسلم - {فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (الأعراف: ١٥٨).

ولعل من المفيد التنبيه إلى أن أول ترجمة عربية للكتاب المقدس ظهرت بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقرن من الزمان، وهي ترجمة أسقف أشبيليا يوحنا عام ٧٢٤م (٣)، فالكتاب لم يكن متداولاً بين الناس زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان حكراً على بعض القسس، ولم يطلع عليه عوام المسيحيين إلا في عصر الطباعة في القرن الميلادي السادس عشر رغم محاولات الكنيسة منع انتشاره بقرارات الحرمان التي أصدرها مجمع تريدنت نوتردام في ١٥٤٢ - ١٥٦٣م (٤).


(١) أخرجه أحمد ح (١٨١٧٤).
(٢) أخرجه أحمد ح (١٨٢٠٤).
(٣) انظر: قاموس الكتاب المقدس، ص (٧٧١).
(٤) انظر: مختصر تاريخ الكنيسة، أندرو ملر، ص (٦٠٨).

<<  <   >  >>