المحرِِّمة لها، لكنهم يعتبرونها نصوصاً منسوخة من جهة العمل بها.
بل إن الكتاب المقدس يحكي لنا في مسألة حكم الطلاق عن تبدل ونسخ الحكم الإلهي مرة بعد مرة، فالطلاق حسب إنجيل متّى كان حراماً في زمن آدم، ثم أحله الله لبني إسرائيل في أيام موسى، فجاءت شرائع التوراة ببيان أحكامه (انظر التثنية ٢٤)، ثم حرمه المسيح عليه السلام إلا لعلة الزنا.
وبيان هذا وتفصيله أن المسيح قال للفريسيين محرماً الطلاق:"الذي جمعه الله لا يفرقه إنسان، قالوا له: فلماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق فتطلّق؟ قال لهم: إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلّقوا نساءكم، ولكن من البدء لم يكن هكذا، وأقول لكم: إن من طلّق امرأته إلا بسبب الزنى وتزوج بأخرى يزني. والذي يتزوج بمطلّقة يزني"(متى ١٩/ ٦ - ٩).
ويبطل النصارى اليوم كل الشرائع التوراتية الموجودة في العهد القديم، والتي يؤمنون بقدسيتها، وأنها من الله تعالى، لكنهم يرونها منسوخة من جهة العمل بها، ويقولون: أبطلها جميعاً جسدُ المسيح المعلق على الصليب، كما يقول بولس عن المسيح:"مبطلاً بجسده ناموس الوصايا"(أفسس ٢/ ١٥)، وقوله:"المسيح افتدانا من لعنة الناموس"(غلاطية ٣/ ١٣)، فالمسيح وفق هذه الفقرات خلصهم من اللعنة المذكورة في سفر التثنية، والتي تحيق بكل من لا يعمل بأحكام الشريعة:"ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس، ليعمل بها"(التثنية ٢٧/ ٢٦)، فبطل فيما بطل مئات الأحكام التوراتية الواردة في سفري التثنية واللاويين، كقتل القاتل ورجم الزاني والختان والسبت وتحريم الخنزير.
ويلزمنا هنا التنبيه إلى أن قول أهل الكتاب بالنسخ مختلف تماماً عن قول المسلمين الذين يعظمون المنسوخ من القرآن، ويرونه حكماً إلهياً صالحاً ونافعاً رفعه الله بحكم آخر أنفع للعباد منه مراعاة لتغير أحوالهم، بينما تنتقص كتب أهل