الكتاب المنسوخ منها، وتجعل علة نسخه ضعفَه وعدمَ نفعه، لا مراعاة المستجدات في أحوال الناس، يقول الكاتب المجهول لرسالة العبرانيين:"فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها، إذ الناموس لم يكمل شيئاً، ولكن يصير إدخال رجاء أفضل، به نقترب إلى الله"(عبرانيين ٧/ ١٨ - ١٩).
ويواصل كاتب رسالة العبرانيين، فيصف ناموس الكهنوت التوراتي بالعتق والشيخوخة والتهافت، فيقول:"وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال"(عبرانيين ٨/ ١٣)، ويزدريه متهماً إياه بالعيب:" فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب، لما طُلب موضعٌ لثانٍ "(عبرانيين ٨/ ٧)، ولتدارك هذا العيب والضعف في العهد القديم؛ فقد أنشأ عهداً جديداً يجعل الإيمان بالمسيح المصلوب طريقاً للنجاة، وهكذا فالنسخ عند أهل الكتاب سببه طروء العلم على الله بعد الجهل - وحاشا لله العظيم العليم -، وهو ما يسميه علماء الفلسفة بـ (البداء).
أما نحن المسلمين، فنؤمن أن الله على كل شيء قدير، وأنه بكل شيء عليم، لا يعزب عنه شيء في السماوات ولا في الأرض، ونسخُ بعض آياته إنما هو من تمام علمه بما يصلح أحوال خلقه.
وقد حكى الله لنا في القرآن استنكار المشركين للنسخ، وتولى الرد عليهم ببيان سعة علمه، وأنه عز وجل يبدل وفق علمه العظيم رغم معارضة الذين لا يعلمون بما يفعله الله وما يقدر عليه:{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَالله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}(النحل: ١٠١)، وقد بينت الآية التي بعدها علة التبديل، وأنه مراعاة لتبدل أحوال الناس:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}(النحل: ١٠٢) فتبين الآية أن النسخ يكون بعلم الله المطلع على ما يقوله الجاهلون.
ولتقريب فهم النسخ إلى الأذهان مثَّل العلماء له بفعل الطبيب الحاذق الذي يصف للمريض دواء، وهو يعلم أنه بعد تحسن حاله سيصف له دواء بديلاً يناسب حاله الجديد، فتبديله للدواء عن علم وحذق، وإن استنكر صنيعه بعض