للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢١ - ٢٢)، فهو تبارك وتعالى قادر على نسخ ما يشاء من آي القرآن {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} (الإسراء: ٨٦).

ولو شئنا تلمس ومعرفة الحكمة الإلهية في نسخ بعض الآيات تلاوة؛ لوجدنا أن بعض هذه الآيات نزل في معالجة أحداث مخصوصة كحادثة بئر معونة التي قتل فيها ما يقارب عُشُر المسلمين حينذاك، فأنزل الله ما أنزل تثبيتاً لقلوب المؤمنين في وقت كربتهم وزلزالهم، ومثله نزلت آيات النهي عن الانتساب لغير الأب في وقت كان الناس يتعايرون بأنسابهم، فلربما نسب الرجل نفسه إلى غير أبيه؛ فلما علم ربنا عز وجل حاجة المسلمين إلى تلكم الآيات في ذلك الزمان؛ أنزلها، وعلم ربنا أن الحاجة إليها مؤقتة، وأن البشرية لا تحتاجها في أجيالها القادمة؛ فنسخها بما هو خير منها أو مثلها، ورفع تلاوتها من المصاحف.

إن ما يعتبره المسلمون قرآناً ليس كل ما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الوحي، بل ما أثبته الله في العرضة الأخيرة لجبريل، وهو يعرضه على النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر رمضان أدركه النبي - صلى الله عليه وسلم - قبيل وفاته، وهذا المعنى يخبر عنه أنس بن مالك - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (أُنزل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآن قرأناه، ثم نسخ بعد {بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا، فرضي عنا، ورضينا عنه}) (١).

ويوضحه قول عمر - رضي الله عنه -: (أقرؤنا أُبي، وأقضانا علي، وإنا لندع من قول أُبي، وذاك أن أُبياً يقول: لا أدع شيئاً سمعتُه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال الله عز وجل: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}) (البقرة: ١٠٦) (٢).

فالله عز وجل ينسخ من آياته ويُنسِي عباده ما يشاء، فهو الذي يعلم الجهر وما يخفى، وهو بكل شيء عليم، وهو على كل شيء قدير: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى


(١) أخرجه البخاري ح (٢٨١٤)، ومسلم ح (٦٧٧).
(٢) أخرجه البخاري ح (٤٤٨١).

<<  <   >  >>