للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «إذا حدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا فَلأَنْ أَخِرَّ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ ... » (١).

وقد تَشَدَّدَ عمر بن الخطاب في تطبيق هذا المنهج، فحمل الناس على التثبت مِمَّا يسمعون، والتروي فيما يُؤَدُّونَ، فكان له الفضل الكبير في صيانة الحديث من الشوائب وَالدَّخل، وقد طَبَّقَ ذلك الصحابة أَيْضًا، يقول ابن مسعود: «لَيْسَ العِلْمُ بِكَثْرَةِ الحَدِيثِ، وَلَكِنَّ العِلْمَ الْخَشْيَةُ» (٢).

ويُصوِّرُ لنا أبو هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - محافظة الصحابة على السُنَّةِ في عهد عمر بإجابته عن سؤال طرحه عليه أبو سلمة، قال له: أكُنتَ تُحدِّثُ فِي زَمَانِ عُمَرَ هَكَذَا؟ فَقَالَ: «لَوْ كُنْتُ أُحَدِّثُ فِي زَمَانِ عُمَرَ مِثْلَ مَا أُُحَدِّثُكُمْ لَضَرَبَنِي بِمِخْفَقَتِهِ» (٣).

وفي رواية: «لَقَدْ حَدَّثَتُكُمْ بِأَحَادِيثَ، لَوْ حَدَّثْتُ بِهَا زَمَنَ عُمَرَ لَضَرَبَنِي عُمَرُ بِالدِّرَّةِ» (٤).

وقد كان تَشَدُّدَ عمر هذا والصحابة معه للمحافظة على القرآن الكريم، بجانب المحافظة على السُنَّةِ، فقد خشي أنْ يشتغل الناس بالرواية عن القرآن الكريم، وهو دستور الإسلام، فأراد أنْ يحفظ المسلمون القرآن جَيِّدًا، ثم يعتنوا بالحديث الشريف الذي لم يكن قد دُوِّنَ كله في عهد الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كالقرآن. فنهج لهم التثبت العلمي والإقلال من الرواية مخافة الوقوع


(١) " مسند الإمام أحمد ": ص ٤٥ جـ ٢.
(٢) " مختصر كتاب المؤمل في الرد إلى الأمر الأول: ص ٦.
(٣) " تذكرة الحفاظ: ص ٧ جـ ١، وانظر في هذا الكتاب أبا هريرة. القسم الثاني في دفع شبهات عنه وقد اشتهرت الرواية عن أبي هريرة بأن عمر سَمَحَ لَهُ بِالرِّوَايَةِ عِنْدَمَا عَرَفَ خِشْيَتَهُ وَوَرَعَهُ.
(٤) " جامع بيان العلم وفضله ": ص ١٢١ جـ ٢.