للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليهم عبد الله بن مسعود فكتب إلى أهل الكوفة: «إِنِّي وَاللهِ الذِي لاَ إِلَهُ إِلاَّ هُوَ آثَرْتُكُمْ بِهِ عَلَى نَفْسِي فَخُذُوا مِنْهُ» (١) وَذَكَرَ عُمَرُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: «كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْمًا آثَرْتُ بِهِ أَهُلَ القَادِسِيَّةِ» (٢) كيف يأمر الناس بالأخذ منه، ويشهد له بالعلم، ثم يحبسه!!؟

وما ورد على حبس ابن مسعود يرد على حبس الصحابة الباقين، ففيهم أبو الدرداء إمام الشام وقاضيها ومعلمها القرآن ..

وبهذا البيان، لا يرقى إلى الصحة خبر حبس عمر للصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، لأنهم أكثروا من الرواية عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل إنه يُرْوَى عن ابن مسعود أنه نهى عن الإكثار من الرواية، فهل يُتَصَوَّرُ مِنْهُ أَنْ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ يَفْعَلُهُ؟ وقد رُوِيَ عنه قوله: «لَيْسَ العِلْمُ بِكَثْرَةِ الحَدِيثِ، وَلَكِنَّ العِلْمَ الخَشْيَةَ» (٣).

وفي رواية سعيد بن إبراهيم عن أبيه، التي ذكرها الخطيب البغدادي، ما يدل على أنه استبقاهم في المدينة حتى عرف لفظهم سواء. وهذه هي رواية الخطيب.

قال: «بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَإِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَإِلَى أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيَّ فَقَالَ: " مَا هَذَا الحَديثُ الذِي تُكْثِرُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ -؟ فَحَبَسَهُمْ بِالمَدِينَةِ حَتَّى اِسْتَشْهَدَ لَفْظَهُمْ سَواءَ» (٤). فيكون هذا من باب تَثَبُّتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في الحديث، وهذه الرواية تثبت أنه لَمْ يَزُجَّ بهم في السجن، بل استبقاهم في المدينة ريثما يَتَثَبَّتُ من لفظهم، فَإِنْ صَحَّ هَذَا فَلاَ ضَيْرَ عَلَيْهِمْ.


(١) " سير أعلام النبلاء ": ص ٣٥١، جـ ١، وَالكُنَيْفُ: الوِعَاءُ.
(٢) " سير أعلام النبلاء ": ص ٣٥١، جـ ١، وَالكُنَيْفُ: الوِعَاءُ.
(٣) " مختصر كتاب المؤمل في الرد إلى الأمر الأول ": ص ٦.
(٤) " شرف أصحاب الحديث ": ص ٩٢: آ.