للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو أنْ يشهد الناس على الراوي أو أنْ يستحلف، فإذا لم يحصل شيء من هذا رَدَّ خبره!! بل كان الصحابة يَتَثَبَّتُونَ في قبول الأخبار، ويتبعون الطريقة التي ترتاح إليها ضمائرهم، فأحيانًا يطلب عمر سماع آخر، وأحيانًا يقبل الخبر من غير ذلك، ولا يقصد من وراء عمله إِلاَّ حمل المسلمين على جادة التثبت العلمي والتحفظ في دين الله حتى لا يتقول أحد على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما لم يقل، ويتضح هذا في قول عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عندما رجع أبو موسى الأشعري مع أبي سعيد الخُدري وشهد له، قال عمر: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَتَّهِمْكَ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَتَقَوَّلَ النَّاسُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (١). ويظهر ذلك أَيْضًا من قول الذهبي بعد أن روى قصة أبي موسى: «أَحَبَّ عُمَرُ أَنْ يَتَأَكَّدَ عِنْدَه خَبَرَ أَبِي مُوسَى بِقَوْلِ صَاحِبٍ آخر، فَفِي هَذَا دَليلَ عَلَى أَنَّ الخَبَرَ إذَا رَوَاهُ ثِقَتَانِ كَانَ أَقْوَى وَأَرْجَحَ مِمَّا اِنْفَرَدَ بِهِ وَاحِدٌ , وَفِي ذَلِكَ حَضٌّ عَلَى تَكْثِيرِ طُرُقِ الحَديثِ لِكَيْ يَرْتَقِي عَنْ دَرَجَةٍ الظَّنِّ إِلَى دَرَجَةِ العِلْمِ، إِذْ الوَاحِدُ يَجُوزُ عَلَيْهِ النِّسْيَانُ وَالوَهْمُ , وَلاَ يُكَادُ يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى ثِقَتَيْنِ لَمْ يُخَالِفْهُمَا أَحَدٌ» (٢).

وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ بَعْدَ إِيرَادِ طَرِيقَةً الصِدِّيقِ فِي التَثَبُّتِ: «إِنَّ مُرَادَ الصِدِّيقِ التَثَبُّتَ فِي الأَخْبَارِ وَالتَحَرِّي، لاَ سَدَّ بَابَ الرِوَايَةِ» (٣).

وكما طلب الصحابة من الراوي شهادة غيره أَيْضًا، قبلوا أحاديث كثيرة برواية الآحاد وَبَنَوْا عليها أحكامهم.

ومن الغريب أن يجعل بعض المُتَطَرِّفِينَ في الإسلام عمل الصحابة هذا دُسْتُورًا في قبول الأخبار ولا يجعلون قبول الصحابة خبر الآحاد دُسْتُورًا لهم


(١) " موطأ مالك ": ص ٩٦٤ جـ ٢ , و" الرسالة ": ص ٤٣٥، و" توجيه النظر ": ص ١٦.
(٢) " تذكرة الحفاظ ": ص ٦، ٧ جـ ١.
(٣) المرجع السابق: ص ٤ جـ ١.