للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عُمَرَ: «لاَ، اجْعَلْ صِيَامَ رَمَضَانَ آخِرَهُنَّ، كَمَا سَمِعْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (١) ولهذا نرى في بعض الأحاديث، قول الراوي - كذا وكذا - لا أدري بأيهما بدأ، أو أيهما قال قبل، ونحو ذلك. وهذا تنبيه من الراوي إلى أنه أدرك الحديث وفهمه، ولكنه لم يتأكد من ترتيب اسمين فيه أو كلمتين فَبَيَّنَ موضع شكه وأن الشك منه ليس في أصل الحديث، ومن هذا ما رواه خالد بن زيد الجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ، وَأَسْلَمُ وَغِفَارٌ، - أَوْ غِفَارٌ وَأَسْلَمُ -» (٢).

وتشدد بعض الرواة في المحافظة على نص الحديث بألفاظه، فمنع زيادة حرف واحد، أو حذفه وإن كان لا يُغَيِّرُ المعنى، ومن هذا ما رواه سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ» فَقِيلَ لِسُفْيَانَ: أَنْ يُنْبَذَ فِيهِ؟ فَقَالَ: لاَ، هَكَذَا قَالَهُ لَنَا الزُّهْرِيُّ: «يُنْتَبَذَ فِيهِ» (٣).

وكان بعض الرُوَّاةِ شديدي الحرص على اللفظ الذي سمعوه، فَلاَ يُخَفِّفُونَ حَرْفًا ثَقِيلاً، وَلاَ يُثَقِّلُونَ حَرْفًا خَفِيفًا، ولا يبدلون حركات الحروف التي يسمعونها، بل يروونها كما سمعوها، وإن كان ذلك التغيير لا يبدل معناها، نحو (نَمَا - نَمَّى) في حديثه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ الكَاذِبُ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَى خَيْرًا» قال حماد: «سَمِعْتُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: " نَمَا خَيْرًا " (خفيفة) وَقَالَ الآخَرُ: " نَمَّى خَيْرًا " (مثقلة)» (٤).


(١) " الكفاية ": ص ١٧٦.
(٢) المرجع السابق: ص ١٧٧.
(٣) " الكفاية ": ص ١٧٨.
(٤) المصدر السابق: ص ١٨٠، ١٨١.