للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِهِ، عَالِمًا بِمَا يُحِيلُ مَعانِيَ الحَدِيثِ مِنَ اللَّفظِ، أَوْ يَكُونَ مِمَّنْ يُؤَدِّي الحَدِيثَ بِحُرُوفِهِ، كَمَا سَمِعَهُ، لاَ يُحَدِّثُ بِهِ عَلَى المَعْنَى؛ لأنَّهُ إِذَا حَدَّثَ بِهِ عَلَى المَعْنَى، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَا يُحِيلُ مَعْنَاهُ، لَمْ يَدْرِ لَعَلَّهُ يُحِيلُ الحَلاَلَ إِلَى الحَرَامِ. وَإِذَا أَدَّاهُ بِحُرُوفِهِ فَلَمْ يَبْقَ وَجْهٌ يُخَافُ فِيهِ إِحَالَتُهُ الحَدِيثَ ... » (١).

قَالَ الرَّامَهُرْمُزِي: «وَقَدْ دَلَّ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي صِفَةِ المُحَدِّثِ مَعَ رِعَايَةِ اتِّبَاعِ اللَّفْظِ عَلَى أَنَّهُ يَسُوغُ لِلْمُحَدِّثِ أَنْ يَأْتِيَ بِالمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، إِذَا كَانَ عَالِمًا بِلُغَاتِ العَرَبِ وَوُجُوهِ خِطَابِهَا، بَصِيرًا بِالمَعَانِي وَالفِقْهِ، عَالِمًا بِمَا يُحِيلُ المَعْنَى وَمَا لاَ يُحِيلُهُ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ جَازَ لَهُ نَقْلُ اللَّفْظِ، فَإِنَّهُ يَحْتَرِزُ بِالفَهْمِ عَنْ تَغْييرِ المَعَانِي وَإِزَالَةِ أَحْكَامِهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ أَدَاءُ اللَّفْظِ لَهُ لاَزِمًا، وَالعُدُولُ عَنْ هَيْئَةِ مَا يَسْمَعُهُ عَلَيْهِ مَحْظُورًا، وَإِلَى هَذَا رَأَيْتُ الفُقَهَاءَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْهَبُونَ. [وَمِنَ الحُجَّةِ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا المَذْهَبِ] (*) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَصَّ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ قَصَصًا، كَرَّرَ ذِكْرَ بَعْضِهَا فِي مَوَاضِعَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَنَقَلَهَا مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ إِلَى اللِّسَانِ العَرَبِيِّ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لَهَا فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَالحَذْفِ وَالإِلْغَاءِ، وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ» (٢).

ولم يكن الصحابة والتابعون بِدَعًا في رواية بعض الأحاديث بمعناها، بل وجدوا دليل الجواز في منهج القرآن الكريم - كما ذكر الرامهرمزي - وفي سُنَّةِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد كان يرسل سفراءه ورسله فينقلون رسائله


(١) " الرسالة ": ص ٣٧٠، ٣٧١، الفقرة ١٠٠١ وانظر فيما يتعلق بالرواية على المعنى الفقرات: ٧٤٤، ٧٥٧، ١٠١٣ - ١٠١٥ و ١٠٣٦ - ١٠٤٢ من " الرسالة ". ونقل الرامهرمزي قول الشافعي في " المحدث الفاصل ": ص ٧٩: ب وص ١٢٨: آ، وانظر أَيْضًا " معرفة السنن والآثار " للبيهقي: ص ٩ جـ ١.
(٢) " المحدث الفاصل ":ص ١٢٤: ب.