للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال العَلاَّمة اليماني: «قَالَ - أَبُو رَيَّةَ - (ص ٦٠): (صِيَغُ [اَلتَّشَهُدَاتِ]) , وَذَكَرَ اِخْتِلاَفهَا (١). أَقُولُ: يَتَوَهَّمُ أَبُو رَيَّةَ - أَوْ يُوهِمُ - أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا عَلَّمَهُمْ تَشَهُّدًا وَاحِدًا , وَلَكِنَّهُمْ أَوْ بَعْضهمْ لَمْ يَحْفَظُوهُ , فَأَتَوْا بِأَلْفَاظٍ مِنْ عِنْدِهِمْ مَعَ نِسْبَتِهَا إِلَى اَلنَّبِيِّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا , فَإِنَّ اَلتَّشَهُّدَ يُكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ بِضْعَ عَشْرَةَ مَرَّةٍ عَلَى الأَقَلِّ فِي الفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ , وَكَانَ اَلنَّبِيُّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَفِّظُ أَحَدَهُمْ حَتَّى يَحْفَظَ , وَقَدْ كَانَ اَلنَّبِيُّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْرِئُ اَلرَّجُلَيْنِ اَلسُّورَةَ الوَاحِدَةَ هَذَا بِحَرْفٍ وَهَذَا بِآخَرَ. فَكَذَلِكَ عَلَّمَهُمْ مُقَدِّمَةْ اَلتَّشَهُّدِ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ , هَذَا بِلَفْظٍ وَهَذَا بِآخَرَ , وَلِهَذَا أَجْمَعَ أَهْلُ اَلعِلْمِ عَلَى صِحَّةِ اَلتَّشَهُّدِ بِكُلِّ مَا صَحَّ عَنْ اَلنَّبِيِّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - , وَأَمَّا ذِكْرُ عُمَرَ اَلتَّشَهُّدَ عَلَى اَلمِنْبَرِ , وَسُكُوتِ اَلحَاضِرِينَ فَإِنَّمَا وَجْهَهُ المَعْقُولَ تَسْلِيمِهمْ أَنَّ اَلتَّشَهُّدَ اَلَّذِي ذَكَرَهُ صَحِيحٌ مُجْزِئٌ. وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا القُرْآنَ وَلاَ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَحَدٌ , مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ تَلَقَّوْا عَنْ اَلنَّبِيِّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَرْفٍ غَيْرَ الحَرْفَ الذِي تَلَقَّى بِهِ عُمَرُ , وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. وَمِنْ الجَائِزِ أَنْ يَكُونُوا - أَوْ بَعْضُهُمْ - لَمْ يَعْرِفُوا اللَّفْظ الّذِي ذَكَرَهُ عُمَرُ , وَلَكِنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوا أَنَّ اَلنَّبِيَّ - صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَعُمَرُ عِنْدَهُمْ ثِقَةٌ» (٢).


(١) بعد أن ذكر أَبُو رَيَّةَ صيغ التشهد عن الصحابة (ص ٦٠ - ٦٢) قال: «هذه تشهدات ثمانية وردت عن الصحابة، وقد اختلفت ألفاظها، ولو أنها كانت من الأحاديث القولية التي رويت بالمعنى لقلنا عسى!، ولكنها من الأعمال المتواترة التي كان يؤديها كل صحابي مرات كثيرة كل يوم، وهم يعدون بعشرات الآلاف، ومما يلفت النظر أن كل صاحب تشهد يقول: إن الرسول كان يعلمه التشهد كما يعلمهم القرآن، وأن تشهد عمر قد ألقاه من فوق منبر رسول الله والصحابة جَمِيعًا يسمعون، فلم ينكر عليه أحد منهم ما قال، كما ذكر مالك في " الموطأ "». اهـ. انظر " أضواء على السنة ": ص ٦٣، إنه يريد أن يشككنا حتى فيما نتعبد به وفيما ثبت متواترًا، والرد على أَبِي رَيَّةَ وعلى دعواه في طي عبارته، فلو تجرد وانطلق إلى أفق أوسع من أفقه ما استغرب تعدد هذه الصيغ ولا فتح على المسلمين باب الشك والريبة ولا شكك في الصحابة حفظة الشريعة وَحُرَّاسِهَا.
(٢) " الأنوار الكاشفة ": ص ٨٣.