للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا دليل واضح على النشاط العلمي الذي كان بينهم، يتبادلون الأحاديث ويسمعون ويسمع منهم وَيَرْوُونَ وَيُرْوَى عنهم. كل هذا في سبيل معرفة الحق وحفظ السُنَّةِ المُطَهَّرَةِ.

ولم يكتف الصحابة بدراسة الحديث فيما بينهم، بل حَثُّوا على طلبه وحفظه وحضوا التابعين على مجالسة أهل العلم والأخذ عنهم، ولم يتركوا وسيلة لذلك إلا أفادوا منها. من هذا ما رُوِيَ عن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا» (١) وقال أَيْضًا: «تَعَلَّمُوا الفَرَائِضَ وَالسُّنَّةَ كَمَا تَتَعَلَّمُونَ القُرْآنَ» (٢). وكان أبو ذر مثلاً رائعًا لنشر الحق وتبليغ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يروي عنه أنه قال: «لَوْ وَضَعْتُمْ الصَّمْصَامَةَ - السيف الصارم - عَلَى هَذِهِ - وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ - ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَيَّ لأَنْفَذْتُهَا» (٣). وما كان أبو ذر بِدَعًا من الصحابة، إنما كان أحد الألوف الذين ساهموا في حفظ السُنَّةِ.

عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، «عَلَيْكُمْ بِالعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَقَبْضُهُ ذَهَابُ أَهْلِهِ ... (٤)» وكان ينهى عن البدع ويأمر باتباع السُنَّةِ فيقول: «الاقْتِصَادُ فِي السُّنَّةِ [خَيْرٌ] مِنَ الاجْتِهَادِ فِي البِدْعَةٍ» (٥). وقال أمير المؤمنين عَلِيٌّ بن أبي طالب: «تَزَاوَرُوا وَتَذَاكَرُوا الحَدِيثَ، فَإِنَّكُمْ إِلاَّ تَفْعَلُوا يَدْرُسُ» (٦).


(١) " فتح الباري " ص ١٧٥ جـ ١.
(٢) " جامع بيان العلم وفضله ": ص ٣٤ جـ ٢.
(٣) " فتح الباري " ص ١٧٠ جـ ١.
(٤) " تذكرة الحفاظ ": ص ١٥ جـ ١ و" مجمع الزوائد ": ص ١٢٥ جـ ١، وانظر حضه على مذاكرة الحديث في " معرفة علوم الحديث ": ص ١٤١.
(٥) " تذكرة الحفاظ ": ص ١٥ جـ ١ و" مجمع الزوائد ": ص ١٢٥ جـ ١، وانظر حضه على مذاكرة الحديث في " معرفة علوم الحديث ": ص ١٤١.
(٦) " شرف أصحاب الحديث: ص ٦٩. وانظر أَيْضًا " معرفة علوم الحديث ": ص ٦٠ و ١٤١.