للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووقف عمرو بن العاص على حلقة من قريش فقال: «مَا لَكُمْ قَدْ طَرَحْتُمْ هَذِهِ الأُغَيْلِمَةَ؟ لاَ تَفْعَلُوا، وَأَوْسِعُوا لَهُمْ فِي المَجْلِسِ، وَأَسْمِعُوهُمُ الحَدِيثَ، وَأَفْهِمُوهُمْ إِيَّاهُ، فَإِنَّهُمْ صِغَارُ قَوْمٍ أَوْشَكَ أَنْ يَكُونُوا كِبَارَ قَوْمٍ، وَقَدْ كُنْتُمْ صِغَارَ قَوْمٍ فَأَنْتُمُ اليَوْمَ كِبَارُ قَوْمٍ» (١).

وكان ابن عباس يحض طلابه على مذاكرة الحديث، فيقول: «تَذَاكَرُوا هَذَا الحَدِيثَ، لاَ يَنْفَلِتْ مِنْكُمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِثْلَ القُرْآنِ، القُرْآنُ مَجْمُوعٌ مَحْفُوظٌ، وَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَذَاكَرُوا هَذَا الحَدِيثَ يَنْفَلِتْ مِنْكُمْ، وَلاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ حَدَّثْتُ أَمْسِ لاَ أُحَدِّثُ اليَوْمَ، بَلْ حَدِّثْ أَمْسِ، وَحَدِّثْ اليَوْمَ، وَحَدِّثْ غَدًا» .. ، كما كان يقول: «إِذَا سَمِعْتُمْ مِنَّا، شَيْئًا فَتَذَاكَرُوهُ بَيْنَكُمْ» (٢).

وكان أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يحب طلاب العلم ويفسح لهم المجالس، وكثيرًا ما كان يقول: «تَحَدَّثُوا، فَإِنَّ الحَدِيثَ يُذَكِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا» (٣).

وَمِمَّا يُرْوَى عَنْ أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِطُلاَّبِهِ: «إِنَّ هَذَا المَجْلِسَ مِنْ بَلاَغِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ، وَأَنْتُمْ فَبَلِّغُوا عَنَّا أَحْسَنَ مَا تَسْمَعُونَ». وفي رواية: كَانَ يُحَدِّثُهُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا سَكَتَ قَالَ: «اعْقِلُوا، بَلِّغُوا عَنَّا كَمَا [بُلِّغْتُمْ]» (٤).

وهكذا كان الصحابة الكرام يتواصون بحفظ الحديث ومذاكرته ويحضون طلابهم على ذلك، ويحثونهم على تبليغ ما يسمعون منهم.


(١) " شرف أصحاب الحديث ": ص ٨٩: ب.
(٢) " شرف أصحاب الحديث ": ص ٩٩: آ. وانظر نحوه في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع " نسخة الظاهرية: ص ٤٨: ب.
(٣) " شرف أصحاب الحديث ": ص ١٠٠: آ.
(٤) " شرف أصحاب الحديث ": ص ١٠٠: آ.