للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكانت دراسة الحديث شيقة، تجذب الطالب إليها لتعدد موضوعاتها وتناولها كَثِيرًا من الأمور التي تتعلق بدينه ودنياه. ومع هذا كان شيوخ الحلقات يخشون إدخال السآمة إلى نفوس تلاميذهم، فكانوا يتخولونهم بالموعظة كما كان يفعل رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكما فعل الصحابة من بعده (١) وكانت السيدة عائشة توصي التابعين بهذا، فَقَدْ قَالَتْ لِعُبَيْدٍ بْنِ عُمَيْرٍ: «إِيَّاكَ وَإِمْلاَلَ النَّاسِ وَتَقْنِيطَهُمْ» (٢). ولهذا كانوا لا يطيلون المجلس حتى لا تضيع الفائدة عليهم، وفي هذا يقول الإِمَامُ الزُّهْرِيُّ: «إِذَا طَالَ المَجْلِسُ كَانَ لِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَصِيبٌ» (٣) وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: - إِذَا فَاضَ مَنْ عِنْدَهُ بِالحَدِيثِ بَعْدَ القُرْآنِ وَالتَّفْسِيرِ -: «أَحْمِضُوا [بِنَا]». أَيْ: خُوضُوا فِي الشِّعْرِ وَ [الأَخْبَارِ] وغيره ... ، وعن أبي الدرداء - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنه قال: «إِنِّي لأَسْتَجِمُّ قَلْبِي بِالشَّيْءٍ مِنَ اللَّهْوِ، لأَقْوَى بِهِ عَلَى الحَقِّ» (٤).

وقد كان الصحابة أحيانًا يتناولون في مجالسهم بعض الشعر وأيام الجاهلية ليسروا عن أنفسهم، فيبدلوا الموضوع ليستعيدوا نشاطهم، فَعَنْ أَبِي خَالِدٍ [الوَالِبِيِّ] قَالَ: «كُنَّا نُجَالِسُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَتَنَاشَدُونَ الأَشْعَارَ وَيَتَذَاكَرُونَ أَيَّامَهُمْ فِي الجَاهِلِيَّةِ» (٥)، وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يُحَدِّثُ ثُمَّ يَقُولُ:


(١) انظر هذا عن عبد الله بن مسعود في " مسند الإمام أحمد ": ص ٢٠٢ حديث ٣٥٨١ جـ ٥، و " جامع بيان العلم وفضله ": ص ١٠٥ جـ ١.
(٢) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص ١٣٦: آ.
(٣) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص ١٣٦: آ.
(٤) " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص ٤١، واللهو المقصود هنا اللهو المشروع مِمَّا يُرَوِّحُ القلب ويجدد النشاط.
(٥) " جامع بيان العلم وفضله ": ص ١٠٥ جـ ١.