للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انصرف منها، كلا، بل كان الطلاب يحضرون في أوقات معينة يخصصها لهم أستاذهم بعد صلاة الفجر مثلاً حتى الضحى، أو بين الظهر والعصر، فيتسابق الطلاب إلى الحلقة قبل انعقادها، ليتخذوا أماكنهم (١)، حتى إذا حضر الأستاذ كان جميع الطلاب على استعداد لتلقي الحديث عنه. وقد يتغيب عن الحلقة طالب، فيسأل عنه الشيخ ويعرف سبب غيابه، وقد يكلف بعض إخوانه السؤال عنه، فالحلقات في العصور الماضية كانت كالفصول النظامية في مدارسنا الحديثة.

لهذا كان أصحاب الحديث يحرصون على حضور مجالسه، ويحفظون ما يسمعونه، ويذاكرونه.

وقد كان الصحابة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - يفعلون هذا في عهد رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعن أنس بن مالك قال: «كُنَّا نَكُونُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَسْمَعُ مِنْهُ الحَدِيثَ فَإِذَا قُمْنَا تَذَاكَرْنَاهُ فِيمَا بَيْنَنَا حَتَّى نَحْفَظُهُ» (٢).

وكان التابعون وأتباعهم يذاكرون حديث رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - جماعات وأفرادًا، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَمَّانِ (٣) قَالَ: «حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمًا بِحَدِيثٍ فَلَمْ نَحْفَظْهُ، فَتَذَاكَرْنَاهُ بَيْنَنَا حَتَّى حَفِظْنَاهُ» (٤). وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «كُنَّا نَكُونُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَيُحَدِّثُنَا، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ تَذَاكَرْنَا حَدِيثَهُ» (٥) .. ، وَعَنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ، قَالَ: «رَأَيْتُ أَبَا يَحْيَى الأَعْرَجَ - وَكَانَ عَالِمًا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - اجْتَمَعَ هُوَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ،


(١) انظر انعقاد المجالس في " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ". حيث بسط القول في هذا.
(٢) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص ٤٦: ب.
(٣) لم يذكر الحاكم لقبه وهو من أصحاب أبي هريرة وقد سمع من ابن عباس وهو ذكوان المدني. انظر " تهذيب التهذيب ": ص ١٣٢ جـ ١٢.
(٤) " معرفة علوم الحديث ": ص ١٤١.
(٥) كتاب "العلم " لزهير بن حرب: ص ١٩٠: آ.