للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَتَذَاكَرَا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ» (١). وقال مرة عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: «إِحْيَاءُ الْحَدِيثِ مُذَاكَرَتُهُ»، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: «يَرْحَمُكَ اللَّهُ، كَمْ مِنْ حَدِيثٍ قَدْ أَحْيَيْتَهُ مِنْ صَدْرِي قَدْ كَانَ مَاتَ» (٢).

وقد تطول مجالس المذاكرة من أول الليل حتى نداء الفجر (٣)، وكان من طلاب العلم من ينتظر انصرام الليل ليلقى إخوانه فيذاكرهم، وكان إِبْرَاهِيمُ النَّخعِي يَقُولُ: «إِنَّهُ لَيَطُولُ عَلَيَّ اللَّيْلُ حَتَّى أَلْقَى أَصْحَابِي فَأُذَاكِرُهُمْ» (٤). ومما يروى عن شعبة بن الحجاج أنه خَرَجَ مِنْ عِنْدِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْنٍ، وَقَدْ عَقَدَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فَكَلَّمَهُ بَعْضُ إِخْوَانِهِ، فَقَالَ: «لاَ تُكَلِّمْنِي فَإِنِّي قَدْ حَفِظْتُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَشَرَةَ أَحَادِيثَ أَخَافُ أَنْ أَنْسَاهَا» (٥).

هكذا كان يذاكر أصحاب الحديث حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى يثبت في صدورهم ولا ينسوه.

وكان بعضهم يتخذ التحديث بما سمع وسيلة إلى حفظه، فإذا لم يجد من يحدثه حدث خادمه أو بنيه، وفي هذا يروى عَنْ الإِمَامِ الزُّهْرِيِّ كَانَ يَبْتَغِي الْعِلْمَ مِنْ عُرْوَةَ وَغَيْرِهِ، فَيَأْتِي جَارِيَةً لَهُ نَائِمَةً فَيُوقِظُهَا فَيَقُولُ لَهَا «حَدَّثَنِي فُلاَنٌ بِكَذَا، وَفُلاَنٌ بِكَذَا»، فَتَقُولُ لَهُ: «مَا لِي وَلِهَذَا؟» فَيَقُولُ: «قَدْ عَلِمتُ أَنَّكِ لاَ تَنْتَفِعِينَ بِهِ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ الآنَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَسْتَذكِرَهُ» (٦)، ولا يجد إسماعيل بن رجاء من يذاكر الحديث معه فيجمع غلمان المكاتب ويحدثهم كيلا ينسى حديثه (٧).


(١) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص ١٨٤: آ.
(٢) كتاب "العلم " لزهير بن حرب: ص ١٩٠: آ
(٣) انظر المرجع السابق: ص ١٩١: ب.
(٤) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص ١٨٢: ب.
(٥) " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص ٤٧: آ.
(٦) " تاريخ الإسلام " للذهبي: ص ١٤٨ جـ ٥.
(٧) انظر " المحدث الفاصل " نسخة دمشق: ص ١٥: ب، وانظر " عيون الأخبار ": ص١٣٤ جـ ٢، و " تهذيب التهذيب ": ص ٢٩٦ جـ ١.