وكانوا كلما دخلوا بَلَدًا فيه أقاموا فيه المساجد (١)، ومكث فيه بعض الصحابة والتابعين يدبرون أموره، وينشرون فيه الإسلام، ويعلمون أبناءه القرآن الكريم وَسُنَّةَ رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وكان الخلفاء يمدون البلاد الجديدة بالعلماء، وقد استوطن كثير من الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - تلك الأمصار، يرشدون أهلها، ويعلمون أبناءها، وقد دخل الناس في دين الله أفواجًا، والتفوا حول الرسول الكريم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ينهلون من الينابيع التي أخذت عن الرسول الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - وتخرج في حلقاتهم التابعون الذين حملوا لواء العلم بعدهم، وحفظوا السنة الشريفة، وهكذا أصبحت في الأقاليم والأمصار الإسلامية مراكز علمية عظيمة، تشع منها أنوار الإسلام وعلومه، إلى جانب مراكز الإشعاع الأولى التي أمدت هذه الأقطار بالأساتذة الأول.
ويجدر بنا أن نذكر لمحة موجزة عن مراكز التعليم هذه فيما يخص بحثنا، فنتناول أهم تلك المراكز العلمية والقائمين عليها في الأمصار الإسلامية:
١ - المَدِينَةُ المُنَوَّرَةُ:
هي دار الهجرة، وحاضرة الدولة الإسلامية، التي آوت الرسول الكريم بعد هجرته، ومعه الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -، وشهدت الجانب التشريعي الأول في صدر الإسلام، وفي مساجدها التف المسلمون حول محمد - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، يتلقون القرآن العظيم، ويسمعون الحديث الشريف، وفيها شاهدوا قضاءه وقسمته للغنائم، واستنفاره للجيوش، وموادعته لخصومه، وإليها التجأ المسلمون المهاجرون بدينهم، تحت ضغط قريش والقبائل الأخرى في أطراف الجزيرة العربية، وتعلقت بها الأنظار، وعقدت عليها الآمال، حتى كان صلح الحديبية