فيكون لهم شرف المُبَلِّغ الهادي، ويخلد اسمهم أبد الدهر كما أراد الله للرسول الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، وللأمَّة العربية التي انطلقت تحرِّرُ العالم من الظلم والطغيان، وتوجه مركب الإنسانية إلى شاطئ السلام، وتخرجه من الظلمات إلى النور سالكة سبيل الهداية والحق بعد أن تنكب الناس الصراط المستقيم، وتخبطوا في غياهب الجهالة والضلال. تتقاذفهم أمواج الأهواء كما تشاء، وتحملهم أعاصير الجبابرة كالهباء.
إلاَّ أنَّ هداية العرب لم تكن سهلة، بل تحمَّلَ السلو الكريم - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - في سبيلها المشاق الكثيرة، وأُوذِيَ في جسمه وماله وأهله وأصحابه ووطنه، وكان يدعو ليلا ًونهاراً وسرّاً وإعلاناً، ويسأل الله السداد والرشاد، متطلِّعاً إلى هداية قومه ليتحمَّلوا الرسالة ويؤدوا الأمانة.
لقد أحِيَ إلى الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقومه على دين آبائهم، وثنية وأصنام، يسودهم النظام القبلي، وتربط بينهم صلة القرابة والدم، لا يحكمهم نظام عام، بل يخضعون للعادات والأعراف، يدفعهم الشرف والمفاخرة بالأنساب إلى المنافسة في المكارم والمروءات، يعيشون في حلقة القبيلة والأسرة، في إطار الجزيرة العربية.
وكان لهذا أثر بعيد في صفاء نفوسهم ومحافظتهم على أمجادهم وعاداتهم، وتفانيهم في سبيل مثلهم الأعلى، حتى كانوا يسرفون في ذلك، فهم كرام يبذلون ما يستطيعون للضيف، فيبلغون في ذلك حدَّ الإسراف.
ويأبون العار ولو أدى بأعز ما لديهم إلى الردى، ولهذا وَأَدُوا بناتهم خشية الفقر والزلل. ويحبُّون تحقيق الأمجاد والبطولات، ولكنهم ضلوا الطريق وحرموا العقيدة الموصلة إلى ذلك، ترى العفة والكرامة من أخلاقهم،