والكرم والشجاعة من سجاياهم، والحمية والثأر تسير في عروقهم، فلا ينامون على ضيم، وويل لمن غضب عليه العرب، إذْ كانوا يثورون لأتفه الأسباب، يكفي أنْ يستفز القبيلة فردٌ أهينت كرامته، فتنطلق جميعها كباراً وصغاراً تدفع عنه ما أصابه، لأنَّ كرامة الفرد من كرامة القبيلة، وإلى هذا يمكننا أنْ نَرُدَّ أكثر الغزوات والغارات التي كانت بين القبائل قبل الإسلام.
وقد حفظت ذاكرتهم القوية أشعارهم وأنسابهم التي كانت بمثابة سجل تاريخي لهم، وكان كل ذلك من المؤهلات التي أعدَّتْهُم لحمل الرسالة الإسلامية فيما بعد.
وإذا كانوا قد عبدوا الأوثان فإنهم لم يروها خالقة مدبِّرة لأمور الكون وشؤونه، بل عبدوها زُلْفَى إلى الله {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}(١).
ولم تكن عقائدهم معقدة مركبة كما كانت عليه عقائد سكان البلاد المجاورة من الفرس والهند، بل كانوا أصفياء النفوس، ويمكننا أنْ نقول: إنَّ عندهم فراغا عقدياً تستره تلك العبادات والمعتقدات الأولية، التي لم تقف على قدميها أمام عقيدة الإسلام المتماسكة الكاملة. ولهذا كان العرب يمتازون عن غيرهم من الأمم بتلك الصفات التي أهَّلَتْهُم فيما بعد لأنْ يكونوا جنود الإسلام وحملة لوائه إلى العالم.
ومع هذا لم يكن من السهل أنْ يستجيب العرب جَمِيعًا إلى دعوة الرسول الكريم بادئ ذي بدء، إذْ كان من الصعب أنْ يتركوا دين آبائهم وأجِدًّادهم، فإذا ما دعاهم إلى الله قال له أقرب الناس إليه: تبّاً لك!! ألهذا دعوتنا؟ وأوذي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سبيل دعوته كثيراً، ولم يؤمن به إلاَّ نفر قليل: زوجه،