للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معرفة تمكنهم من الحكم بصدقهم أو كذبهم، حتى يتمكنوا من تمييز الحديث الصحيح من المكذوب، لذلك درسوا حياة الرواة وتاريخهم، وتتبعوهم في مختلف حياتهم، وعرفوا جميع أحوالهم، كما بحثوا أشد البحث «حَتَّى [يَعْرِفُوا] الأَحْفَظَ فَالأَحْفَظَ، وَالأَضْبَطَ فَالأَضْبَطَ، وَالأَطْوَلَ مُجَالَسَةً لِمَنْ فَوْقَهُ مِمَّنْ كَانَ أَقَلَّ مُجَالَسَةً (١)» .. ، وقد قال سفيان الثوري: «لَمَّا اسْتَعْمَلَ الرُّوَاةُ الكَذِبَ اسْتَعْمَلْنَا لَهُمُ التَّارِيخَ» (٢).

وكانوا يبينون أحوال الرواة وينقدونهم ويعدلونهم حسبة لله، لا تأخذهم خشية أحد ولا تتملكهم عاطفة، فليس أحد من أهل الحديث يحابي في الحديث أباه ولا أخاه ولا ولده، فهذا زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ يَقُولُ: «لاَ تَأْخُذُوا عَنْ أَخِي (٣)!!!».

وَقَالَ عَلِيٌّ بْنُ المَدِينِيِّ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ أَبِيهِ: «سَلُوا عَنْهُ غَيْرِي» فأعادوا المسألة، فأطرق، ثم رفع رأسه فقال: «هُوَ الدِّينُ، إِنَّهُ ضَعِيفٌ» (٤)، «وَكَانَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ لِكَوْنِ وَالِدِهِ كَانَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، يُقْرِنُ مَعَهُ آخَرَ إِذَا رَوَى عَنْهُ» (٥).

وكان أئمة النقاد يُعَيِّنُونَ أيامًا للتكلم في الرجال وأحوالهم، قَالَ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ النَّحْوِيُّ: أَتَيْنَا شُعْبَةَ يَوْمَ مَطَرٍ فَقَالَ: «لَيْسَ هَذَا يَوْمَ حَدِيثٍ , اليَوْمَ يَوْمُ غِيبَةٍ , تَعَالَوْا حَتَّى نَغْتَابَ الْكَذَّابِينَ» (٦)، وكانوا يأمرون طلابهم وإخوانهم أن يبينوا حال الراوي الذي يكثر غلطه، والمتهم في حديثه، قال عبد الرحمن


(١) " شرف أصحاب الحديث ": ص ٣٨: ب.
(٢) " الكامل " لابن عدي: ص ٤: ب، جـ ٣. و " الكفاية ": ص ١١٩.
(٣) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص ١٢١ جـ ١.
(٤) " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص ٦٦.
(٥) " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص ٦٦.
(٦) " الكفاية ": ص ٤٥.