للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من تترك روايته مطلقًا، ومن لا تقبل روايته ولو تاب، كالوضاعين الكاذبين على رسول الله، وأصحاب البدع إلى بدعهم إذا استحلوا الكذب، قال الإمام مالك: «لاَ يُؤْخَذُ الْعِلْمُ عَنْ أَرْبَعَةٍ، وَيُؤْخَذُ مِمَّنْ سِوَى ذَلِكَ: لاَ يُؤْخَذُ مِنْ صَاحِبِ هَوًى يَدْعُو النَّاسَ إِلَى هَوَاهُ، وَلاَ مِنْ سَفِيهٍ مُعْلِنٌ بِالسَّفَهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَرْوَى النَّاسِ، وَلاَ مِنْ رَجُلٍ يَكْذِبُ فِي أَحَادِيثِ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ لاَ تَتَّهِمُهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ مِنْ رَجُلٍ لَهُ فَضْلٌ وَصَلاَحٌ وَعِبَادَةٌ إِذَا كَانَ لاَ يَعْرِفُ مَا يُحَدِّثُ» (١). وَقِيلَ لِشُعْبَةَ: مَتَى يُتْرَكُ حَدِيثُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: «إِذَا رَوَى عَنِ المَعْرُوفِينَ مَا لاَ يَعْرِفُهُ المَعْرُوفُونَ فَأَكْثَرَ، وَإِذَا أَكْثَرَ الغَلَطَ، وَإِذَا اتُّهِمَ بِالْكَذِبِ، وَإِذَا رَوَى [حَدِيثَ غَلَطٍ] مُجْتَمِعٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَتَّهِمْ نَفْسَهُ فَيَتْرُكْهُ طُرِحَ حَدِيثُهُ، وَمَا كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ [فَارْوِ] عَنْهُ» (٢).

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «كَانَ ابْنُ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَطَاوُسٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنْ لاَ يَقْبَلُوا الحَدِيثَ إِلاَّ عَنْ ثِقَةٍ يَعْرِفُ مَا يَرْوِي وَيَحْفَظُ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الحَدِيثِ يُخَالِفُ هَذَا المَذْهَبَ» (٣).

هكذا بَيَّنَ جهابذة هذا العلم - منذ صَدْرِ الإسلام إلى عهد التدوين والتصنيف - أحوال الرواة: المقبول منهم والمتروك. وتكامل علم الجرح والتعديل، وألفت مصنفات ضخمة في الرواة وأقوال النقاد فيهم، حتى إنه لم يعد يختلط الكذابون والضعفاء بالعدول الثقات، كما ألفت مصنفات ومعاجم خاصة


(١) " المحدث الفاصل ": ص ٧٩: آ - ٧٩: ب. و" الجرح والتعديل: ص ٣٢ جـ ١، و" الكفاية ": ص ١١٦.
(٢) " الجرح والتعديل ": ص ٣٢ جـ ١. و" المحدث الفاصل ": ص ٨١: ب - ٨٢: آ. وروى نحو هذا عن ابن المبارك، انظر " الكفاية ": ص ١٤٣، وأَيْضًا نحوه عن الإمام أحمد، انظر " الكفاية ": ص ١٤٤.
(٣) مقدمة " التمهيد ": ص ١٠: ب.