للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد الواحد، كالحارث الأعور، والمختار الكذاب.

فلما مضى القرن الأول ودخل الثاني كان في أوائله من أوساط التابعين جماعة من الضعفاء الذين ضعفوا غالبًا من قبل تحملهم وضبطهم للحديث.

فلما كان عند آخرهم (١) عصر التابعين وهو حدود الخمسين ومائة تكلم في التوثيق والتجريح طائفة من الأئمة، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: «مَا رَأَيْتُ أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الجُعْفِيِّ»، وَضَعَّفَ الأَعْمَشُ جَمَاعَةً وَوَثَّقَ آخَرِينَ، ونظر في الرجال شعبة وكان متثبتًا لا يكاد يروي إلا عن ثقة، وكذلك كان مالك، وممن إذا قال في هذا العصر قُبِلَ قوله: معمر، وهشام الدستوائي، والأوزاعي، والثوري، وابن الماجشون، وحماد بن سلمة، والليث بن سعد، وغيرهم، ثم طبقة أخرى بعد هؤلاء: كابن المبارك، وَهُشَيْمٌ، وأبي إسحاق الفزاري، والمعافى بن عمران الموصلي، وبشر بن المفضل، وابن عيينة، وغيرهم ... » (٢). وقد بَيَّنَ هؤلاء من تقبل روايته ومن لا تقبل، وتكلموا في العدالة وموجباتها، وفي الجرح وأسبابه، وقد نص عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - في كتابه إلى أبي موسى الأشعري على العدالة، ووضع أول الأسس في ذلك، وَبَيَّنَ من تقبل شهادته ومن لا تقبل، ولما كانت الرواية لا تختلف عن الشهادة من ناحية التحمل والأداء، فبوسعنا أن نقول: إن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قد نص على العدالة التي يجب أن يتحلى بها كل مسلم حتى تقبل شهادته وروايته، فقد قال - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «وَالْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إلاَّ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ، ... فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى مِنْ العِبَادِ السَّرَائِرَ» (٣). وتكلم بعده الصحابة والتابعون، وَبَيَّنُوا


(١) أي ما كان عند آخر التابعين انتهاء عصر التابعين.
(٢) " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ": ص ١٦٣، ١٦٤.
(٣) " إعلام الموقعين ": ص ٨٦ جـ ١.