للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَدَقِيقِ بَحْثِهِ - يُثْبِتُ أَحَادِيثَ دَلَّتْ الحَوَادِثُ الزَّمَنِيَّةُ وَالمُشَاهَدَةُ التَّجْرِيبِيَّةُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ، لاقْتِصَارِهِ عَلَى نَقْدِ الرِّجَالِ ... ». فهذا حُكْمٌ لا نوافقه عليه ولا نقول به، لأن ما استشهد به لدعم رأيه لا يثبت هذا بل يعارضه، بل إن حديث «لاَ يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ» صحيح، وقد فهمه الأستاذ فهمًا مخالفًا للحقيقة، وذهب في تأويله مذهبًا بعيدًا كل [البُعْدِ] عن الصواب، فقد رُوِيَ هذا الحديث من طرق عدة فَسَّرَ بَعْضُهَا بَعْضًا، فالمراد من الحديث أنه عند انقضاء مائة سَنَةٍ من قول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لن يبقى أحد ممن كان مَوْجُودًا في عهده - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - لأنه لم يبق أحد ممن كان في عهده - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أكثر من مائة عام، فكل ما في الأمر أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ لأصحابه أنهم لن يعمروا كما عمر من قبلهم من الأمم (١)، ولذلك عليهم أَنْ يَجِدُّوا في طاعاتهم، ويعملوا في دنياهم لآخرتهم وليس في هذا ما يخالف الحوادث الزمنية والمشاهدات التجريبية، ويقول الدكتور مصطفى السباعي: «فَأَنْتَ تَرَىَ أَنََّ هَذَا الحَدِيثَ الذِي كَانَ فِي الوَاقِعِ مُعْجِزَةً مِنْ مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْقَلِبُ فِي مَنْطِقِ النَّقْدِ الجَدِيدِ الذِي دَعَا إِلَيْهِ صَاحِبُ " فَجْرِ الإِسْلامِ " إِلَى أَنْ يَكُونَ مَكْذُوبًا مُفْتَرَىً!» (٢).

وأما حديث «مَنْ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ مِنْ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ ذَلِكَ


(١) انظر " فتح الباري ": ص ٢٢٢ جـ ١، ذكر البخاري بعض الحديث وَبَيَّنَ ابن حجر أقوال العلماء فيه وأشار إلى الحديث كاملاً في (كتاب الصلاة) حيث تفسيره واضح كما بَيَّنَّا، وانظر " تأويل مختلف الحديث ": ص ١١٩، وانظر " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص ٢٥٩ - ٣٦٣ حيث فَنَّدَ الدكتور السباعي أخطاء الأستاذ أحمد أمين وَرَدَّ عليه رَدًّا مُفَصَّلاً.
(٢) " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص ٢٦١.